شبه الجزيرة لعوامل هدامة أخرى قللت من أعدادها ومن أحجامها، ألا وهي شدة السيول والعواصف التى كانت تطيح بما لايثبت أمامها من المباني، وقلة اهتمام العرب القدماء أنفسهم بالتعمق فى إرساء أسس مبانيهم مما عجل بانهيارها. ثم انتفاع الأجيال المتعاقبة من السكان بأحجار المباني القديمة في إقامة مبانيهم. فضلًا على ما جناه لصوص الآثار في العصر الحديث من سرقة الآثار الصغيرة الفنية الثمينة للاتجار بها.
نشأة الدراسات والاكتشافات الحديثة:
انتفعت الدراسات التاريخية الحديثة لشبه الجزيرة العربية كما انتفعت أمثالها في بقية مناطق الشرق القديم بأنشطة حركة البحث العلمي وجهود الكشف عن الحضارات القديمة وإحياء التراث التى نشأت فى أوروبا منذ القرن الثامن عشر وما تلاه. وبفضلها ثابرت مجهودات البحث العلمي والأثري فى العصر الحديث على كشف النقاب عن التاريخ العربي القديم بنصوصه وآثاره من أجل التعرف عليه كما صنعه أصحابه أو كما سجلوه بأنفسهم.
ولفت أنظار أوائل المؤرخين والرحالة الحديثين الأجانب إلى تاريخ وآثار شبه الجزيرة العربية ما أتت به الكتب المقدسة عن ملكة سبأ وثراء دولتها، وعن أقوام مدين وعاد وثمود ... ، وما كتبه الكلاسيكيون الإغريق والرومان عن أرض البخور وتجارتها، وما قرأه المستشرقون من كتب المؤرخين والجغرافيين المسلمين، إلى جانب دافع الفضول عندهم لمعرفة المزيد عن الأرض التي انبعث الإسلام منها.
وإذا كان واقع الأمر يدعو إلى الاعتراف بأن أغلب من سنتناول جهودهم من المؤرخين والآثاريين والرحالة فى العصر الحديث كانوا من الأوروبيين، فإنه يجب الاعتراف كذلك بأن تحفظ الدولة العثمانية التى كانت تسيطر على الشرق الإسلامي حينذاك، وتخوف المسلمين من سوابق أطماع المستعمرين الغربيين، كلاهما حدد عدد البعثات العلمية وجعل أغلب جهودها فردية تتم في غير علنية وبغير الطرق الرسمية بل وعن غير طرق المتخصصين أيحانًا.
وفي الوقت نفسه لم تكن حركة الكشف العلمي الأوربي تستهدف غرضًا واحدًا، أوتستهدف العلم وحده، وإنما كانت تستهدف الكشف عن خبايا الأرض والثروات الطبيعية، وعن المعالم الجغرافية والمعالم التاريخية في آن واحد. ويبدوا أنه كان لوجود أعداد من اليهود والأغراب المستوطنين فى مناطق الجنوب العربي أثر في اتجاه أوائل الرحلات الكشفية الحديثة إليها لسهولة التخفي في زي بعض