للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن أجل تنشيط هذا الدور والخروج به من دائرته الإقليمية اتجهت بعوث رؤساء مكة إلى العالم الخارجي لعقد المعاهدات التجارية مع الدول الكبرى في أيامهم. وهكذا نسب إلى هاشم بن عبد مناف أنه آلف ملك الشام، أي حصل على إيلاف أو عهد من قيصر الروم أو ملك غسان الممثل له في جنوب الشام لتنشيط التعامل مع قريش وتأمين تجارتها في ممتلكاته، كما اكتسب مودة أحياء العرب وأمراء الشام المحليين لا سيما في أيلة وغزة والقدس حتى بصرى في حوران إلى الجنوب الشرقي من دمشق.

وقيل: إن إخوة هاشم فعلوا بالمثل، فعقد نوفل والمطلب إيلافًا مع دولة الحيرة ودولة الفرس ودولة سبأ وحمير وذي ريدان. وركز عبد شمس على إيلاف الحبشة وشرق أفريقية. وبهذا اجتمع لقريش إيلاف رحلة الشتاء والصيف، رحلة الشتاء إلى اليمن والحبشة، أو العراق، ورحلة الصيف إلى الشام. وقيل: إن من قوافلها ما كان يضم ألف بعير, ومنها ما يضم ما يزيد عن الألفين. وأخذت هذه القوافل بنظام المشاركة بحيث يسهم فيها القادرون من الأسر والأفراد، وقد يكون لهم فيه وكيل أو شريك أو أجير، تحت رئاسة شخصية كبيرة تقود القافلة وتعمل على حمايتها.

ولم تقتصر مكة على بطونها القرشية الكبيرة وحدها وإنما تضمنت معها أعدادًا ممن كانوا يقيمون فيها لفترات مؤقتة أو دائمة من تجار الحبشة والفرس والروم، أو من أملاكهم. وكانت تفرض المكوس والعشور عليهم وما يقابل أمنهم وخفارة متاجرهم. ولتشجيع نزلائها من حلفاء وموال وحجاج وتجار، أقام سادة مكة فيما بينهم حلف الفضول على ألا يظلم في رحابها قريب أو غريب، ولا حر أو عبد، إلا وكانوا معه حتى يأخذوا له بحقه من أنفسهم ومن غيرهم. وقد امتدح الرسول عليه السلام فكرة هذا الحلف وأثنى عليها.

ومع توالي الاتفاقات التجارية مع أقيال اليمن وأمراء اليمامة وملوك غسان والحيرة توسعت قريش في التجارة المباشرة ومتاجر الوساطة. وهكذا تحدثت الروايات العربية عن خفارة قريش للطائم ملوك الحيرة إلى عكاظ وكانت تتضمن المسك والمنسوجات وكثيرًا من المصنوعات. كما تحدثت عن تصديرها بضائع اليمن وما يصلها من الهند من العطور والجلود والمنسوجات والسيوف إلى بلاد الشام حيث تستورد عوضًا عنها أنواع الحبوب والزيوت والخمور والجواري.

وكما انتفعت مكة بتجارة البر انتفعت كذلك وإلى حد ما بتجارة البحر الأحمر وما يحمله من متاجر شرق أفريقية والمحيط الهندي، عن طريق مينائها الشعبية التي بقيت حتى عهد عثمان حيث سأله أهل مكة أن ينقل الساحل من

<<  <   >  >>