للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشعبية إلى جدة لقربها منهم فأمر به، وكانت تقع في جون من البحر ويصلها التجار والوسطاء البحريون من مصر والحبشة والصومال، فينقلون المتاجر منها وإليها، كما كانت تمير منها سفن الروم، وأغنت هذه الميناء مكة عن أداء المكوس لمواني اليمن وغيرها من المواني الخارجية.

ومضت الأمور سراعًا في مصلحة مكة وحلفائها لسد الفراغ التجاري الناشئ من تعاقب الاضطرابات السياسية والدينية في بلاد اليمن منذ حوالي عام ٥٢٠م خلال الصراع بين أنصار الديانتين اليهودية والمسيحية والتدخل الحبشي فيها، ثم فشل الحبشة وحلفائها في تعويض تناقص سفن الروم في تجارة البحر على نطاق واسع، مع تخلخل أمن الطرق التجارية في الهلال الخصيب بين العراق والشام خلال الحروب البيزنطية الفارسية.

ولم ينج ازدياد نشاطات مكة وحلفائها من العرب الشماليين من إجراءات مضادة ضمنية ومباشرة، لوأدها قبل استفحالها، من قبل اليمن والحبشة وبيزنطة.

وتمثلت الإجراءات الضمنية في تزكية حملات التبشير بالمسيحية في أرجاء اليمن وتأييد الحبشة وبيزنطة لها. وبطبيعة الحال لم يكن في انتشارها من بأس لولا أن رأت مكة في هذا الانتشار ما يهدد مكانتها الدينية بين العرب الجنوبيين.

وقد سلفت الإشارة إلى تسمية كبرى كنائس نجران وصنعاء حينذاك بتسمية الكعبة اجتذابًا لمشاعر العرب وصرف ولائهم عن حرم مكة إليها. ولم تنجح هذه الخطوة كثيرًا في صرف العرب الجنوبيين عن البيت الحرام ومقام إبراهيم، أو صرفهم عن عباداتهم الوضعية القديمة.

وأما الإجراءات العسكرية المباشرة فأشهرها هو ما روته بعض المصادر العربية عن حملة ضد مكة قادها من يدعى حسان بن عبد كلال من أقيال اليمن.

وقد أسر وباءت حملته بالفشل.

وكانت حملة أبرهة الحبشي ملك سبأ وحمير ضد مكة وحرمها المقدس في عهد عبد المطلب بن هاشم حوالي عام ٥٧٠م هي الأكثر إعدادًا وأشد وقعًا. وقد أسلفنا في الفصل العاشر أنها قد تفسر بطموح أبرهة إلى مد سلطانه إلى غرب شبه الجزيرة ووسطها وشمالها، ورغبته في استعادة سيطرة اليمن على شريان التجارة الرئيسي الذي أوشكت مكة، ويثرب، على احتكار مكاسبه، أو تفسر بالتعصب الديني ورغبته في المشاركة بصورة ما في الحرب البيزنطية الرابعة عشرة ٥٧١ - ٥٨٠م والاستجابة فيها لدعوة الروم إلى التضييق على المصالح التجارية لأعدائهم الفرس عن طريق ربط مصالح الدولة المسيحية الجديدة في اليمن بالدولة الغسانية المسيحية في جنوب الشام، باعتبارهما جميعًا من حلفاء بيزنطة، وفشلت

<<  <   >  >>