عما يحيط بها من نزعات قبلية وروح جاهلية. فتعرضت لحروب متقطعة أرخت المصادر العربية بأيامها تذكرة بسوء ما حدث فيها، ومنها حرب الفجار وعام الغدر، وقد انتهكت فيهما الشهر الحرم ذاتها.
ولم يكن ثراء المكيين وتنوع طوائفهم المحلية والطارئة بغير أثر سيئ تمثل في اتساع الهوة بين مختلف طبقاتهم، وفي تجبر بعض رؤسائهم وشيوع المفاسد بين مترفيهم. فضلًا على تباعدهم شيئًا فشيئًا عن الدين القويم وأخلاقياته، وهو ما تصدت الدعوة الإسلامية له فيما بعد بالإصلاح والتقويم والتغيير، ونشر التوحيد، وهو ما يخرج بحثه عن نطاق دراسات العصور القديمة.
مدينة يثرب
لمدينة يثرب كيان قديم كفله لها تعدد أوديتها وعيونها وآبارها، وخصوبة تربتها، وبالتالي وفرة أرباضها ومزارعها، مع كثرة إنتاجها وسكانها كثرة نسبية، وأهمية أسواقها المحلية والموسمية، فضلًا على موقعها قرب شرايين التجارة الرئيسية البرية والبحرية, وتعاملها بالتالي مع متاجر اليمن ومصر والشام.
وتقع يثرب في مهاد من الأرض ذات لابات أو حرار سبخة، أهمها حرة واقم وحرة الوبرة وحرة قباء. وهي مفتوحة الحدود، وأقرب الجبال إليها جبال أحد وعير، وسلع وسليع، وهي ذات ارتفاعات متباينة.
وانتفعت يثرب بميناء الجار في عمليات التصدير والاستيراد المناسبة لعصرها القديم، وكانت تصل إليها وتخرج منها بعض متاجر عدن وشرق أفريقية والهند ومصر, وبلغ من شهرتها القديمة أن سمي الساحل الممتد منها إلى خليج أيلة بساحل الجار لفترة من الزمن -ولعلها هى البريكة الحالية التى عمرت لفترة طويلة من العصر الإسلامي- وجاورتها جزيرة صغيرة كانت ترسو عليها سفن الحبشة بخاصة. وظلت الجار كذلك حتى حلت محلها في الأهمية ميناء ينبع.
وعثر في جبل المكتب خارج المدينة على نصوص قديمة لم يتم بحثها بعد، كما عثر في جبل الصويدرة على مبعدة منها على نصوص ثمودية وصور حيوانات منقورة. وعثر في داخل المدينة نفسها عن طريق المصادفة وخلال حفر أساسات بعض المباني بالمناخة وغيرها على بقايا عمران سابق لم يتيسر تحديد عهده.
واحتفظ الإخباريون المسلمون لمدينة يثرب بأسماء كثيرة تراوحت عدتها