للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المصالح التجارية لدولها الجنوبية، ولما طال المقام بها اختلطت وتصاهرت مع السكان الأصليين من العرب الشماليين ولكن النسابين ظلوا يردونها إلى أصولها القحطانية أو الجنوبية الأولى من حين إلى آخر.

وكان من الطبيعي أن تهتم طوائف المدينة بحماية حدودها وأرباضها ومزارعها بتحصينات صناعية تمثل أكبرها في الآطام جمع أطم، وعرفت صغارها باسم الصياصي. وبني بعضها من اللبن وبني بعضها الآخر بأحجار صغيرة أو كبيرة، وزودت بأبراج كما احتوت على آبار ومخازن بحيث يحتمي بها أهلها حين الغارة، ويتحصن بها الشيوخ والنساء والصغار حين خروج رجالها إلى الحرب. وكما كانت ليثرب حصونها العامة كانت لكل طائفة من سكانها حصونها الخاصة نتيجة فيما يبدو لعدم خلوص نوايا بعضهم للبعض الآخر.

واهتم رواة اليهود وكتابهم بتاريخ طوائفهم في يثرب اهتمامًا كبيرًا لا يخلو من الغرض, وتخيلوا لها ماضيًا بعيدًا تباروا في القول ببدايته منذ أيام موسى وهارون في القرن ١٣ ق. م، أو بعد انتصار داود على معارضيه في القرنالعاشر ق. م، أو بعد سقوط مدينة السامرة الإسرائيلية أمام الغزو الآشوري في عام ٧٢١ ق. م، أو بعد تدمير البابليين لأورشليم وهيكل سليمان في عام ٥٨٦ ق. م, أو بعد قضاء القائد الروماني تيتوس على ثورة اليهود الأولى وتخريب معبدهم في عام ٧٠م، أو بعد القضاء على ثورتهم الثانية في عهد الإمبراطور هادريان بين ١٣٢ - ١٣٥م، أو هم قد جمعوا بين أشتات من كل هؤلاء. ومع وضوح الشك في هذا الخليط الكثير من الآراء وجد آذانًا صاغية ممن أخذوا عن الإسرائيليات وصدقوا رواتها باعتبارهم من أهل الكتاب والكتابة لا سيما وأنه لم تظهر للأسف لعرب يثرب القدامى كتابات أصيلة تتحدث باسمهم حتى الآن.

وافترض بعض المؤرخين من القدامى والمحدثين رأيًا وسطًا. احتملوا فيه أن يكون يهود يثرب أو أغلبهم من العرب المحليين الذين قد يرتد نسبهم إلى الجنوب، وأنهم تهودوا في يثرب حينما بلغتها الديانة اليهودية بطريقة ما, شأنهم في ذلك شأن من تهود من عرب تيماء وتبوك ووادي القرى وعرب اليمن أيضًا.

وزكوا هذا الفرض بما قيل من أن هؤلاء اليهود المحليين لم يكونوا يعترفون بالتلمود كله، وأن معارفهم الدينية كانت محدودة بحيث أنكر عليهم بعض يهود الشام في القرن الثالث الميلادي صدق يهوديتهم. وربما انضمت إليهم أشتات صغيرة مهاجرة من الإدوميين مثلا بعد أن زالت دولتهم؛ حيث وجد رأي ينسب بني قينقاع إليهم. ولم يكن هؤلاء وهؤلاء كثرة كبيرة، وإنما قدر عدد رجالهم في إحدى المناسبات بما لا يزيد عن الألفين.

<<  <   >  >>