عنه في بعض أجزائه. وفي انحداره تتعاقب على جانبيه تكوينات بركانية من الشست والكوارتز. ثم لا تلبث هذه التكوينات حتى تختفي تحت رملة السبعتين الصحراوية الضخمة. وقامت على البداية الشمالية للوادي مدينة تمنع عاصمة قتبان. كما قامت على بدايته الجنوبية حاضرة أخرى تعرف الآن باسم بيحان القصاب ولازالت أغلب آثارها لم تكتشف بعد.
وعادة ما كانت مياه الأمطار الموسمية تصل إلى وادي بيحان على هيئة السيول فتملأ مجراه الذي يمتد نحو ٦٥ كيلو متر بعد أن يترك الجبال. وباتساع يتراوح بين مائة ومائتي متر عرضًا. وقد تنقطع هذه السيول لعدة سنوات، وتتشرب الأرض الرملية جانبًا منها -ولكن مواسمها وسيولها القديمة أرسبت على مدرجات الوادي مع توالي الأزمنة طبقات كثيفة من الطمي تراوح عمقها في بعض مواضعها بين ١٥ وبين ١٨مترًا.
ولا ندري هل استفاد القتبانيون خبرة ما من نتائج مشروعات الري في أراضي جارتهم سبأ وقلدوها أم لا؟ ولكن الدلائل تشير إلى أنهم أحسنوا استغلال أوضاع واديهم فأنشأوا فيه شبكة مائية ضخمة. يفهم من وصف المتخصصين لها أن مجاري المياه الرئيسية منها، والتي تتلقى معينها من سيول الأمطار الموسمية، امتدت كيلو مترات طويلة وبلغ اتساع بعضها نحو ٤٠ مترًا وارتفعت عن مستوى الأرض الزراعية بنحو أربعة أمتار ولهذا بنيت فيها أهوسة ساعدت على نقل مياه الري من المجاري المرتفعة إلى أهوسة أخرى فرعية منخفضة في مستوى الحقوق. حيث تتوزع منها على قنوات كثيرة صغيرة. وكانت سرعة توزيع المياه على هذه الفروع الصغيرة مما يضمن الاستفادة بها. وعادة ما كسيت منحنيات الترع بمداميك حجرية تتراجع مع جوانب المجرى إلى الخلف لتمنع تآكلها.
وقامت منشآت ري أخرى وشقت ترع في وادي حريب الذي يقع إلى الغرب من وادي بيحان ويصل بينهما وادي مبلقة عبر الجبال. ووادي حريب أعرض من وادي بيحان ولكنه أقصر. وامتدت الترع والمنشآت المائية إلى وديان فرعية تتصل به (مثل وادي العين ووادي مقبل ووادي مبلقة ووادي وهبة). ولاتزال بعض أطلال مباني هذه المشروعات المائية ظاهرة بينما غطت الأكوام على بعضها الآخر، وتآكلت بقيتها نتيجة لارتفاع المجاري المائية عن الحقوق المنزرعة كما أسلفنا مما جعل عوامل التعرية تعمل عملها فيها. ولاتزال تتناثر في الوديان نتيجة لهذه المشروعات بعض حفر وجذور ما كان ينمو فيها من نخيل التمر والدوم وأشجار المر الذي أشار الرحالة استرابون في القرن الأول ق. م. إلى شهرة قتبان بالاتجار فيه وإنتاج بعض أنواعه.