ولكن ترتب على تخفيف قبضة قتبان الاضطراري على المناطق الساحلية للبحر الأحمر أن تألبت عليها قبائل حمير المنتشرة فيها، ويبدو أنها كانت قد نجحت في تجميع كلمتها من قبل بداية القرن الأول ق. م. وبيتت النية على الاستقلال عن قتبان. وليس ما يعرف حتى الآن عن تفاصيل هذه المحاولة إلا أنها حققت هدفها في النصف الأخير من القرن الأول ق. م. فقاتلت قتبان وأخذت منها ما كان باقيًا لها من سواحلها.
وتوفرت بهذا فرصة ذهبية لسبأ التى سكتت على الازدهار القتباني المجاور لها على مضض، وعانت من تضييق قتبان عليها من الجنوب وتضييق حليفتها أو تابعتها معين عليها من الشمال. فاستغلت فرصتها وبدأت بأضعف الفريقين وهي معين فهاجمت عاصمتها واستولت على مناطق واسعة من أراضيها قبل الربع الثالث من القرن الأول ق. م.
وانكمشت قتبان على خارطة الجنوب بعد أن خسرت أرض حمير وخسرت حليفتها معين، ولكنها جاهدت في سبيل البقاء وساعدها على الاستمرار أن غريمتها دولة سبأ كانت تعاني هي الأخرى من مشاكل متعددة نتعرض لها في حينها، فلم تستطع أحداهما أن تقضي على الأخرى، وإن اتصلت المناوشات بينهما.
وفي هذه المرحلة المضطربة من تاريخ قتبان توالي ملوك لا يذكر لعهودهم من الأعمال الإنشائية إلا أن أول عملة ذهبية قتبانية سكت في عهد أحدهم وهو ورواو إيل غيلان في الحصن الملكي القتباني حريب. وكانوا في مجموعهم ضعاف الحيلة إزاء اضطراب موازين القوى في الجنوب، وكان ازياد ضعفهم مشجعًا أو مترتبًا على هجوم جديد غير متوقع من جارتهم الشرقية دولة حضرموت التي بسطت نفوذها على الأجزاء الشرقية من قتبان، بحيث عثر على ثلاثة نقوش في وادي بيحان القتباني تمجد ثلاثة ملوك حضرميين. وقد روى أحدهما أن ملكه الحضرمي عمل على تسوير مدينة غيلان بعد أن تغلب أبوه على قتبان (أو على جزء منها) وروى آخر أنه تم في عهد ملك حضرمي مشروع للري في منطقة وعلان (القتبانية).
وكان في العاصمة تمنع ملك قتباني لا يزال يحسن الظن بسلطته وهو شهر هلال بن ذر أكرب. إذ وجد له نص مرسوم يطلب فيه إلى كبير العاصمة (أي المدير المحافظ أو من يؤرخ باسمه) بتحصيل الضرائب ممن يسكنون ويزرعون الأراضي في سد (قرب العاصمة) وأمر المزارعين بأن يلتزموا بمرسومه ابتداء من أول ذي فرعم إلى السادس من ذي فقحو يومًا بيوم وشهرًا بشهر. واستنتج