للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَليهم مُوجِبًا أنّ غُفْرَان مَا دُون الشِّرْك إنّمَا هُو لِقَوْم دُون قَوْم، بِخِلاف مَا زَعَمُوه مِنْ أنه مَغْفُور لِكُلّ مُؤمِن (١).

وقَال في آيَة "الفرقان": (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا): لا خِلاف بَيْن العُلَمَاء أنَّ الاسْتِثْنَاء عَامِل في الكَافِر والزَّانِي، واخْتَلَفُوا في القَاتِل مِنْ الْمُسْلِمِين؛ فَقَال جُمْهُور العُلَمَاء: لَه التَّوْبَة.

وَجَعَلَتْ هَذه الفِرْقَة قَاعِدَتها قَوله تَعالى: (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ)، فَجَعِل القَاتِل في الْمَشِيئَة كَسَائر التَّائبين مِنْ الذُّنُوب، ويَتَأوَّلُون الْخُلُود الذي في آيَة القَتْل في سُورة النِّسَاء بِمَعْنَى الدَّوَام إلى مُدَّة، كَخُلْدِ الدُّول ونَحوه (٢)، ورَوى أبو هريرة في أنَّ التَّوبَة لِمَنْ قَتَلَ، حَدِيثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم (٣).

ثم ذَكَر الْخِلاف في ذلك (٤).

ونَصّ في أوَّل تَفْسِير سُورة الزّمر على أنَّ "السُّورَة مَكِيَّة بإِجْمَاع غَير ثَلاث آيَات نَزَلَتْ في شَأن وَحْشِي قَاتِل حَمْزَة بن عبد المطلب: (قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ) الآيَات … وقِيل: فِيها مَدَنِيّ سَبْع آيَات" (٥).

ويَرى ابن عطية عُمُوم آية "الزمر"، فإنه قَال فيها:


(١) المحرر الوجيز، مرجع سابق (٢/ ٦٤).
(٢) قال ابن القيم (شفاء العليل - ص ٢٥٧): مجرد ذكر الخلود والتأبيد لا يقتضي عدم النهاية، بل الخلود هو المكث الطّويل، كقولهم: قيد مُخلّد. وتأبيد كل شيء بحسبه، فقد يكون التأبيد لمدة الحياة، وقد يكون لمدة الدنيا.
(٣) لعلّه يقصد قوله صلى الله عليه وسلم: يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنّة، يقاتل هذا في سبيل الله فيُقتل، ثم يتوب الله على القاتل فيُستشهَد. رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة. وسبق تخريجه. وروى البخاري (ح ٣٢٨٣)، ومسلم (ح ٢٧٦٦) من حديث أبي سعيد مرفوعًا قصة قاتل المائة نفس، وقد قبل الله توبته. وقد تقدم.
(٤) المحرر الوجيز، مرجع سابق (٤/ ٢٢١).
(٥) المرجع السابق (٤/ ٥١٧).

<<  <   >  >>