للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هَذه الآيَة عَامَّة في جَمِيع النَّاس إلى يَوم القِيَامَة في كَافِر ومُؤمِن، أي: أنَّ تَوْبَة الكَافِر تَمْحُو ذُنُوبَه، وتَوْبَة العَاصِي تَمْحُو ذَنْبَه (١).

واخْتُلِف: هَلْ يَكُون في الْمَشِيئَة أوْ هُو مَغْفُور لَه ولا بُدّ؟

فَقَالَتْ فِرْقَة مِنْ أهْل السُّنَّة: هو مَغْفُور لَه ولا بُدّ، وهذا مُقْتَضَى ظَوَاهِر القُرْآن وقَالت فِرْقَة: التَّائب في الْمَشِيئَة، لكِن يُغَلَّب الرَّجَاء في نَاحِيَتِه، والعَاصِي في الْمَشِيئَة، لكن يُغَلَّب الْخَوْف في نَاحِيَتِه (٢).

ثم ذَكَر سَبَب نُزُول الآيَة.

واخْتَار "الرَّازي" أنَّ آيَة "النِّسَاء" الأُولَى نَزَلتْ في اليَهُود، وقَال: هَذِه الآيَة دَالَّة على أنَّ اليَهُودِي يُسَمَّى مُشْرِكًا في عُرْف الشَّرْع، ويَدُلّ عليه وَجْهَان:

الأوَّل: أنَّ الآيَة دَالَّة على أنَّ مَا سِوى الشِّرْك مَغْفُور، فلو كَانَتْ اليَهُودِيَّة مُغَايِرَة للشِّرْك لَوَجَب أن تَكون مَغْفُورَة بِحُكْم هَذه الآيَة، وبالإجْمَاع هي غَير مَغْفُورَة، فَدَلّ على أنّها دَاخِلَة تَحْت اسْم الشِّرْك.

الثَّاني: أنَّ اتِّصَال هَذه الآيَة بِمَا قَبْلَها إنّمَا كَان لأنّهَا تَتَضَمَّن تَهْدِيد اليَهُود، فَلَولا أنَّ اليَهُوديَّة دَاخِلَة تَحْت اسْم الشِّرْك وإلَّا لَم يَكُنْ الأمْر كَذَلك.

فَقَد أعْمَل الرَّازي سِيَاق الآيَات، فاسْتَدَلّ بِمَا قَبْلَها وبِمَا بَعْدَها، حَيْث قَال في الآيَة التي بَعْدَها: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ) [النساء: ٤٩]: اعْلَم أنّه تَعالى لَمَّا هَدَّد اليَهُود بِقَولِه: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) فَعِنْد هَذا قَالُوا: لَسْنا مِنْ الْمُشْرِكِين بَلْ نَحْن خَوَاصّ الله تَعالى (٣).

فاعْتَبَر هَذه الْمَقُولَة مِنْ اليَهُود وأمْثَالها مِنْ التَّزْكِيَة.


(١) وهذا ترجيح منه أن الآية محكمة لم تنسخ.
(٢) المحرر الوجيز، مرجع سابق (٤/ ٥٣٦، ٥٣٧).
(٣) التفسير الكبير، مرجع سابق (١٠/ ١٠٢).

<<  <   >  >>