للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورَجَّح الرَّازي أنَّ "هَذه الآيَة مِنْ أقْوَى الدَّلائل لَنَا عَلى العَفْو عَنْ أصْحَاب الكَبَائر" (١).

كَمَا رَدّ على الْمُعْتَزِلَة قَوْلَهم في هَذه الآيَة (٢)، وضَعَّف قَوْل الزمخشري (٣).

ورَجَّح في آيَة "الفرقان" قَبُول التَّوْبَة مِمَّنْ تَاب (٤).

ويَرَى الرَّازي أنَّ آيَة "الزمر" مُخْتَصَّة بِالْمُؤمِنِين، فَقَال: احْتَجّ أصْحَابُنَا بِهَذِه الآيَة على أنه تَعالى يَعْفُو عن الكَبَائر، فَقَالُوا: إنّا بَيَّنَّا في هَذا الكِتَاب أنَّ عُرْف القُرْآن جَارٍ بِتَخْصِيص العِبَاد بِالْمُؤمِنِين، قَال تَعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) [الفرقان: ٦٣]، وقَال: (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ) [الإنسان: ٦]؛ ولأنَّ لَفْظ العِبَاد مَذْكُور في مَعْرِض التَّعْظِيم فَوَجَب أن لا يَقَع إلَّا على الْمُؤمِنِين.

إذا ثَبَتَ هذا ظَهَر أنَّ قَوله: (يَا عِبَادِيَ) مُخْتَصّ بِالْمُؤمِنِين (٥)، ولأنَّ الْمُؤمِن هو الذي يَعْتَرِف بِكَونِه عَبْد الله، أمَّا الْمُشْرِكُون فَإنَّهم يُسَمُّون أنْفُسَهم بـ "عَبْد اللات والعُزَّى، وعَبْد الْمَسِيح" فَثَبَتَ أنَّ قَوله: (يَا عِبَادِيَ) لا يَلِيق إلَّا بِالْمُؤمِنِين.

إذا ثَبَت هَذا فَنَقُول: إنه تَعالى قَال: (الَّذِين أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ)، وهَذا عَامّ في حَقّ جَمِيع الْمُسْرِفِين.


(١) التفسير الكبير، مرجع سابق (١٠/ ١٠٠).
(٢) المرجع السابق (١٠/ ١٠١).
(٣) المرجع السابق (٢٧/ ٦).
(٤) المرجع السابق (٢٤/ ٩٨).
(٥) وهو متعقّب بما جاء في الصحيحين من سبب نزول آية "الفرقان"، وأنّها نزلت في شأن قوم من المشركين قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا. وأنها نزلت إعلامًا لهم أن لهم توبة. وآيات "الفرقان" فيها لفظ العباد.
ومن جهة ثانية أن لفظ "العبد" يطلق في القرآن ويراد به أحد معنيين: العُبُودِيَّة الخاصَّة، أو العُبُوديَّة العامّة؛ فمن الأول: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ) [الكهف: ١]، ومِن الثاني: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَات والأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) [مريم: ٩٣].

<<  <   >  >>