للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قَال تَعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا)، وهَذا يَقْتَضِي كَونه غَافِرًا لِجَمِيع الذُّنُوب الصَّادِرَة عن الْمُؤمِنِين، وذَلك هُو الْمَقْصُود.

ثم أطال الرّازي في مُنَاقَشَة مَغْفِرَة الذُّنُوب لِغَيْر التَّائب، وأنَّ ذلك حَاصِل إمَّا بِعَفْوٍ ابْتِدَاءًا، أوْ بَعْد تَطْهِيرٍ بِالنَّار (١).

وحَكَى ابن جُزيّ الْخِلاف في سَبَب نُزُول آيَة "الزمر" على النَّحْو التَّالِي:

فَقِيل: نَزَلَتْ في وحْشِيّ قَاتِل حَمْزة.

وقِيل: نَزَلَتْ في قَوْم آمَنُوا ولَم يُهَاجِرُوا، فَفُتِنُوا فَافْتَتَنُوا، ثم نَدِمُوا وظَنُّوا أنّهم لا تَوْبَة لَهم.

وقِيل: نَزَلَتْ في قَوْم مِنْ أهْل الْجَاهِلِيَّة، قَالُوا: مَا يَنْفَعُنَا الإسْلام، لأنَّنَا قَدْ زَنَيْنَا وقَتَلْنَا النُّفُوس، فَنَزَلَتْ الآيَة فِيهم.

ثم قال ابن جُزيّ: ومَعْنَاهَا مَع ذلك على العُمُوم في جَمِيع النَّاس إلى يَوْم القِيَامَة (٢).

واخْتَار ابنُ كثير أنَّ مَعْنَى قَوله تَعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) أي: لا يَغْفِر لِعَبْدٍ لَقِيَه وهو مُشْرِك به (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ) أي: مِنْ الذُّنُوب (لِمَنْ يَشَاءُ) أي: مِنْ عِبَادِه.

واسْتَدَلّ عَلى هَذا بأحَادِيث، مِنها:

حَدِيث أبي ذر رضي الله عنه - وفيه -: ثم إني سَمِعْتُه (٣) وهو مُقْبِل وهو يَقُول: وإن زَنَى وإنْ سَرق. قال: فَلَمَّا جَاء لَم أصْبِر حتى قُلْتُ: يا نَبِي الله جَعَلَنِي الله فِدَاك مَنْ تُكلِّم في جَانِب الْحَرَّة، مَا سَمِعْتُ أحَدًا يَرْجِع إليك شَيئا؟ قال: ذاك جِبريل عَرَضَ لي مِنْ جَانِب الْحَرَّة، فَقال: بَشِّر أُمَّتَك أنه مَنْ مَات لا يُشْرِك بِالله شَيئًا دَخَلَ الْجَنَّة.


(١) التفسير الكبير، مرجع سابق (٢٧/ ٣، ٤).
(٢) التسهيل، مرجع سابق (٣/ ١٩٧) باختصار.
(٣) يعني النبي صلى الله عليه وسلم.

<<  <   >  >>