للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قُلْتُ: يا جِبْرِيل وإنْ سَرَق وإنْ زَنَى؟ قال: نعم. قُلْتُ: وإنْ سَرَق وإنْ زَنَى؟ قال: نَعَم. قُلْتُ: وإنْ سَرَق وإن زَنَى؟ قَال: نَعم، وإن شَرِبَ الْخَمْر. وعَزَاه ابن كثير إلى الصحيحين (١).

وقال في شَأن آيَة "الزمر": وهَذِه الآيَة التي في سُورَة "تَنْزِيل" مَشْرُوطَة بِالتَّوبَة، فَمَنْ تَاب مِنْ أيِّ ذَنْب وإنْ تَكَرَّر مِنْه تَاب اللهُ عَليه، ولِهَذا قَال: (قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا)، أي: بِشَرْط التَّوْبَة، ولَو لَم يَكُنْ كَذَلك لَدَخَل الشِّرْك فِيه، ولا يَصِحّ ذلك؛ لأنه تَعالى قد حَكَم هَا هنا (٢) بأنه لا يَغْفِر الشِّرْك، وحَكَم بأنه يَغْفِر مَا عَدَاه لِمَنْ يَشَاء، أي: وإنْ لَم يَتُب صَاحِبه، فَهَذِه أرْجَى مِنْ تِلك مِنْ هَذا الوَجْه. والله أعلم (٣).

وبَيَّن ابنُ كثير أنه لا تَعَارُض بَيْن آية "النساء" في القَتْل وبين آية "الفرقان" في قَبُول تَوْبَة القَاتِل، فَقَال: (إِلَّا مَنْ تَابَ) أي: في الدُّنْيا إلى الله عَزَّ وَجَلَّ مِنْ جَمِيع ذَلك، فإنَّ الله يَتُوب عليه، وفي ذَلك دَلالة على صِحَّة تَوْبَة القَاتِل، ولا تَعَارُض بَيْن هَذِه وبَيْن آيَة "النساء" (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا) الآيَة. فإنّ هَذه وإنْ كَانت مَدَنِيَّة إلّا أنّهَا مُطْلَقَة فَتُحْمَل عَلى مَنْ لم يَتُب؛ لأنَّ هَذه مُقَيَّدَة بِالتَّوْبَة، ثم قد قَال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) الآية. قد ثَبَتَتِ السُّنَّة الصَّحِيحَة عَنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِصِحّة تَوْبَة القَاتِل، كَمَا ذَكَر مُقَرِّرًا (٤) مِنْ قِصَّة الذي قَتَل مائة رَجل ثم تاب فَقَبِل الله تَوْبَتَه (٥)، وغَيْر ذلك من الأحاديث (٦).


(١) وهو مخرج فيهما. رواه البخاري (ح ٦٠٧٨)، ومسلم (ح ٩٤).
(٢) أي في آية النساء.
(٣) تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (٤/ ١١٠).
(٤) لأن القصة من شرع من قبلنا، وهو محل خلاف، إلا ما ورد في شرعنا على سبيل الإقرار والمدح. انظر: شرح مختصر الروضة (٣/ ١٦٩ وما بعدها).
(٥) رواها البخاري ومسلم. وسبق تخريجه.
(٦) تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (١٠/ ٣٢٦).

<<  <   >  >>