للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واخْتَار ابن عطية أنَّ آيَة "النِّسَاء" الأُولى في مَسْأَلَة الوَعْد والوَعِيد، وتَلْخِيص الكَلام فِيهَا أن يُقَال: النَّاس أرْبَعَة أصْنَاف:

كَافِر مَاتَ عَلى كُفْرِه؛ فَهَذا مُخَلَّد في النَّار بِإجْمَاع.

ومُؤمِن مُحْسِن لم يُذْنِب قَط، ومَاتَ على ذلك؛ فَهذا في الْجَنَّة مَحْتُوم عليه حَسَب الْخَبَر مِنْ الله تعالى بِإجْمَاع.

وتَائب مَاتَ على تَوْبَتِه، فَهو عِنْد أهْل السُّنَّة وجُمْهُور فُقَهَاء الأُمَّة لاحِقٌ بالْمُؤمِن الْمُحْسِن إلَّا أنَّ قَانون الْمُتَكَلِّمِين أنه في الْمَشِيئَة.

ومُذْنِب مَاتَ قَبْل تَوْبَتِه؛ فَهَذا مَوْضِع الْخِلاف.

ثم حَكَى الْخِلاف بَيْن الفِرَق في هذا الْمُعْتَرَك (١).

وقال في الفَصْل في هَذه الْمَسْألَة: وهَذه الآيَة (٢) هي الْحَاكِمَة بِبَيَان مَا تَعَارَض مِنْ آيَات الوَعْد والوَعِيد، وقَوله: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ) [الجن: ٢٣]، فَلا بُدّ أن نَقُول: إنَّ آيَات الوَعْد لَفْظُها لَفْظ عُمُوم والْمُرَاد بِهَا الْخُصُوص في الْمُؤمِن الْمُحْسِن وفي التَّائب، وفِيمَن سَبَق في عِلْمِه تَعَالى العَفْو عَنه دُون تَعْذِيب مِنْ العُصَاة، وأنَّ آيَات الوَعِيد لَفْظُها عُمُوم والْمُرَاد بِهَا الْخُصُوص في الكَفَرَة، وفِيمَن سَبَق في عِلْمِه تَعالى أنّه يُعَذِّبُه مِنْ العُصَاة، وتَحْكُم بِقَولِنا هَذه الآيَة النَّصّ في مَوْضِع النِّزَاع، وهي قَوله تَعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) فَإنّهَا جَلَتِ الشَّك، ورَدَّت على الطَّائفَتَين الْمُرْجِئَة والْمُعْتَزِلَة، وذَلك أنَّ قَوله تَعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) فَصْل مُجْمَع عَليه، وقَوله: (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ) فَصْل قَاطِع بِالْمُعْتَزِلَة، رَادّ عَلى قَوْلِهم رَدًّا لا مَحِيدَ عنه، ولَو وَقَفْنَا في هَذا الْمَوْضِع مِنْ الكَلام لَصَحّ قَوْل الْمُرْجِئَة، فَجَاء قَوله: (لِمَنْ يَشَاءُ) رَادًّا


(١) انظر: المحرر الوجيز، مرجع سابق (٢/ ٦٤).
(٢) أي آية "النساء" الأُولى في هذا الموضع، وهي الآية الـ (٤٨).

<<  <   >  >>