للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمَّا الزمخشري فَجَرى على أصُولِه! وتَكَلَّف تَأوِيل الآيَة، حَيث قَال: فإن قُلْتَ: قد ثَبَتَ أنَّ الله عَزَّ وجَلَّ يَغْفِر الشِّرْك لِمَنْ تَاب مِنه، وأنه لا يَغْفِر مَا دُون الشِّرْك مِنْ الكَبَائر إلَّا بِالتَّوبَة. فما وَجْه قَول الله تَعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)؟

قُلْتُ الوَجْه: أن يَكُون الفِعْل الْمَنْفِي والْمُثْبَت جَمِيعًا مُوَجَّهِين إلى قَوله تَعالى: (لِمَنْ يَشَاءُ). كَأنه قِيل: إنَّ الله لا يَغْفِر لِمَنْ يَشَاء الشِّرْك، ويَغْفِر لِمَنْ يَشَاء مَا دُون الشِّرْك، على أنَّ الْمُرَاد بالأوَّل مَنْ لَم يَتُب، وبِالثَّاني مَنْ تَاب (١).

ويَرى أنَّ آيَة "النِّسَاء" الثَّانِية تِكْرَار للتَّأكِيد (٢).

وقيَّد الزمخشري الْمَغْفِرَة في آيَة "الزمر" بِالتَّوْبَة، فَقَال: (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) يَعني: بِشَرْط التَّوْبَة (٣).

وقد تعقّب ابنُ عطية قَول الْمُعْتَزِلَة هَذا، فَقَال: فإن قَالَتِ الْمُعْتَزِلَة: (لِمَنْ يَشَاءُ) يَعْنِي التَّائِبين. رُدّ عليهم بأنَّ الفَائدَة في التَّفْصِيل كَانَتْ تَنْفَسِد، إذْ الشِّرْك أيضًا يُغْفَر للتَّائب، وهَذا قَاطِع بِحُكم قَوله: (لِمَنْ يَشَاءُ)، بأنَّ ثَمَّ مَغْفُورًا لَه وغَير مَغْفُور، واسْتَقَام الْمَذْهَب السُّنِّي (٤).

وقال في مَوضِع آخِر: ورَامَتِ الْمُعْتَزِلَة أنْ تَرُدّ هَذه الآيَة إلى قَوْلِها، بِأن قَالُوا: مَنْ يَشَاء هو التَّائب، ومَا أرَادُوه فَاسِد؛ لأنَّ فَائدة التَّقْسِيم في الآيَة كَانَتْ تَبْطُل إذْ التَّائب مِنْ الشِّرْك يُغْفَر لَه (٥).


(١) الكشاف، مرجع سابق (ص ١٤٠). وقد تعقبه ابن المنيّر، وسيأتي ذلك في "رأي الباحث".
(٢) المرجع السابق (ص ٢٦٠).
(٣) المرجع السابق (ص ٩٤٤). وبنحوه قال ابن كثير (٤/ ١١٠)، وسيأتي قوله.
(٤) المحرر الوجيز، مرجع سابق (٢/ ١٥).
(٥) المرجع السابق (٢/ ٦٤).

<<  <   >  >>