فهذا يدل على أن الاعتبارات السياسية كانت أحد أهم العوامل التي دعت إلى الاختلاف مع دعوة الإصلاح ورفض امتدادها ومحاربتها للحد من نفوذها.
١- اعتبارات إقليمية:
فإن الناس في المراكز العلمية في الحرمين الشريفين وفي الشام ومصر والعراق والبصرة والاحساء ينظرون إلى إقليم نجد بأنه إقليم متخلف ثقافيا لا يجوز أن ينقاد الناس لأهله ويتلقوا التوجيه منه ويقبلوا منه ما يخالف ما في حياتهم عبر أجيال مضت. وقد أشار الشيخ إلى هذا المعنى في الرسالة التي بعث بها إلى محمد بن سلطان فقال:"لا يخفاك أني أعرض هذا من سنين على أهل الاحساء وغيرهم وأقول كل إنسان أجادله بمذهبه فإن كان شافعيا فبكلام الشافعية وإن كان مالكيا فبكلام المالكية أو حنبليا أو حنفيا فكذلك. فإذا أرسلت إليهم ذلك عدلوا عن الجواب لأنهم يعرفون أني على الحق وهم على الباطل وإنما يمنعهم عن الانقياد التكبر والعناد على أهل نجد" وقال في الرسالة نفسها: "وكن على حذر من أهل الاحساء أن يلبسوا عليك بأشياء لا ترد على المسألة أو يشبهوا عليك بكلام باطل"١
وهذا النص يدل على نظرة عامة عند بعض العلماء في الأمصار إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب وكونه من أهل نجد ذلك الإقليم الذي انعزل عن العالم الإسلامي منذ القرن الخامس للهجرة النبوية أو كاد.
٢- اعتبارات علمية:
وذلك أنه لما قامت دعوة الإصلاح في نجد، ودعت إلى إبطال كثير مما كان مألوفا عند الناس في نجد، ووصفت الإصرار عليه بالكفر أو الشرك أو البدعة أو المعصية، صار موقف العلماء حرجا جدا أمام الجمهور الذي يتساءل إذا
كان الشيخ على حق فلماذا لم تقولوا ذلك قبله بل تركتم الناس في هذا الضلال، وإن كان ما
١ القسم الخامس من مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب الرسالة رقم ٢١، ص ١٤٤, ١٤٥.