وإلى جانب ذلك بدأ الخط البياني في تاريخ الاجتهاد في المدارس الإسلامية عامة في الهبوط من الاجتهاد المطلق إلى الاجتهاد المقيد إلى أن قيل بقفل باب الاجتهاد في الفقه الإسلامي في قرن الرابع الهجري، ثم بدأت مرحلة التقليد في الفقه والتعصب للمذاهب وتقديمها على النصوص الشرعية بحجة القصور عن فهم مراد الله في نصوص شرعه. ومازال الخط البياني في تاريخ الفقه الإسلامي في النزول حتى جمد الفقهاء وتوقف الاجتهاد وعادت المدارس الفقهية تقوم على مدارسة مختصرات في فقه كل مذهب. وعظموا هذه المختصرات حتى غابت عن هذه المدارس أصول المذاهب التي يأخذون عنها واكتفوا بكلام المتأخرين في فقه كل مذهب واعترف العلماء بقصورهم ورضوا بهذا المستوى المتدني في فقه المذاهب، وفي ظل هذه الأوضاع ولأسباب متعددة وصل العالم الإسلامي إلى حالة من جمود الفكر وتكبيل العقل والرضى بالقليل من الفقه وظهرت الانحرافات في الدين في أصول العقيدة ومظاهر العبادة وفض الخصومات وغيرها.
وفي نهاية القرن الثامن عشر الميلادي بلغ التأخر والانحراف وتكبيل العقل وجمود الفكر وهبوط الهمم غايته وصارت ظاهر الانحراف في الدين مألوفة شب على مشاهدتها بل ممارستها في الغالب الصغير وهرم عليها الكبير حتى جعلها الألف والعادة من الدين بحيث إن من ينقدها ولو أقام الدليل على ما يقول من نصوص الشريعة يكون في نظر العامة خارجا على الدين ومبتدعا.
وفي هذه الفترة هيأ الله لهذه الأمة أحد أبنائها البررة الذين نذروا أنفسهم لخدمة هذا الدين تعلما وتعليما وأمرا ونهيا وممارسة وكان في مقدمة ما اهتم به تحرير العقل من أسر العادات والتقاليد وألف المنكرات وإخضاع كل الأوضاع القائمة في المجتمع المسلم في نجد وفي غيره للدليل الشرعي من الكتاب والسنة، وفهم أئمة الاجتهاد في الدين في القرون المفضلة التي كان فيها سلطان الدين هو الظاهر واللسان العربي الفصيح هو السائد، ومحاولة النهوض بالعقل وإطلاقه من عقال أسر التقليد وإلف العادات وتعظيم النصوص الشرعية واحترام العقل والدعوة إلى الجهاد في الدين لكل من توفرت له أدواته وألا يقبل التقليد إلا من العاجز عن الاجتهاد.