وتهجدا وورعا وزهدا، وشجاعتهم في الحق وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وجهادهم في سبيل الله وحملهم لمهمة الدعوة وهداية الناس وتوسيع مد الإصلاح. وحياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وسيرته الذاتية صورة مشرقة لهذه المدرسة في طلبه للعلم ورحلاته في سبيله وفي ممارسته وفي جهاده وصبره وكرمه وحسن أخلاقه وتعريض نفسه للأخطار في سبيل هذه الدعوة.
ويقول صاحب حاضر العالم الإسلامي عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته:" وفي الواقع فإن المنهج الذي نهجه ابن عبد الوهاب ليشبه شبها كبيرا ذلك الذي نهجه الخلفاء الراشدون كأبي بكر وعمر" وقال: "واقتفى الوهابيون آثار خلافة الراشدين"١ ويبدوا لمن يقرأ كلام هذا المؤرخ الأمريكي ولا يعرف هذه المدرسة الإصلاحية وتاريخها ومقام شيوخها ومستوى تلاميذها وصدق أتباعها أن هذا الكلام فيه مبالغة غير مقبولة ولكن من عرف تاريخها وسيرة رجالها ومقام علمائها عرف مقام هذه الدعوة ونزعتها الإصلاحية ومقدار القدوة الحسنة التي تمثلت في شيوخها وتلامذتها. فسير إمامها وتلامذته سير مشرقة يمتزج فيها العلم بالعمل ويوظف فيها العلم لصالح الجميع وفق برنامج تربوي في حلقات يأخذ بعضها برقاب بعض، تبدأ بالعلم ثم العمل بمقتضى العلم ثم الدعوة إليه بكل وسيلة ممكنة وفق المقتضيات وينتهي بالصبر على الأذى في سبيل هذه الدعوة. ولقد ضربت هذه المدرسة في كل خطوة من هذه الخطوات بسهم وافر يعد مثلا يحتذى به في مختلف العصور وما تحقق لهذه الحركة من نجاح كان الفضل فيه لله سبحانه وتعالى ثم للإيمان بالله والإخلاص لدينه والأخذ بالأسباب الموصلة إلى النجاح وفق منهاج النبوة وسيرة السلف الصالح.
ولقد أدركت في حياتي في النصف الثاني من القرن العشرين نماذج من علماء هذه المدرسة في جيلها العاشر يعدون أمثلة حية في سيرتهم الشخصية، إيمانا وتقوى وصلاحا وعبادة وزهدا وشجاعة وصدقا وصبرا على المكاره بما يذكر بما كان عليه العلماء في صدر الإسلام وعصوره الزاهرة.
١ حاضر العالم الإسلامي تأليف لوثروب ستيودارد الأمريكي ج ١ص ٢٦١.