وإذا كان كثير من علماء المسلمين اليوم يشغلون مجالسهم بأمور الدنيا وأخبار المال والعقار والمراتب الوظيفية والتنافس في هذه المجالات، وإذا كلف طالب العلم بالعمل في وظيفة دينية في مدينة أو منطقة ثم قضى فيها سنين طويلة وتركها بقي ارتباطه بها في حدود ما حصل عليه في فترة وجوده فيها من مال وأراض ومزارع وعقار وخصومات عليها، فقد عرفنا من أدركنا في حياتنا من تلاميذ مدرسة هذه الحركة الإصلاحية أنه إذا هبط أي بلد أو أقام فيها في وظيفة دينية أو عمل حر يشغل مجالسه بالقراءة في كتاب الله وتفسيره والحديث وعلومه والسيرة النبوية الشريفة والتاريخ الإسلامي وكتب التوحيد بحيث لا يتركون مجالا في حياتهم لغير ذلك أو للقيام بالواجبات المنوطة بهم أو لكسب كفاف العيش، ثم إن كل واحد منهم يجلس لطلاب العلم الشرعي طيلة النهار وطرفا من الليل ويحصر جهوده في التعليم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الاعراض التام عن مزاحمة الناس في أرزاقهم وشئون حياتهم وقد يمكث العالم في مدينة أو منطقة عشرات السنين فإذا تركها لأي سبب من الأسباب ترك فيها مدرسة علمية ذات نزعة إصلاحية سلفية يعز عليه مفارقتها.
ولم تترك له أخلاقه وسماحته وزهده مالا يلوي إليه أو يحتاج إلى تدبيره بعد رحيله. وكانوا في حياتهم وسيرهم الذاتية مثالا يحتذى ونموذجا فذا يذكر بما كان عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم. فالشيخ عبد الله القرعاوي رحمه الله وصل إلى جازان تاجرا بسيطا ذا علم متواضع ولكنه رجل دعوة أحيا الله به أمة وأزال به غمة. فاسألوا أهالي منطقة جازان وجبال عسير عنه وعن تاريخه وآثاره التي لم تكتب بعد. والشيخ فيصل بن مبارك كلف قاضيا في منطقة الجوف فأسس مدرسة علمية إصلاحية سلفية أوقف حياته عليها حتى أثمرت فخرجت القضاة والدعاة ونشرت العلم في تلك المنطقة. فاسألوا أهل منطقة الجوف عنه وعن برنامجه اليومي ونفعه للناس وعن حياته الشخصية وسيرته الذاتية وعن أحكامه في قضائه وعن سماحته وكرمه وزهده وتواضعه لطلاب العلم ومقاسمته لهم لما في بيته وإخراج ما يفضل عن قوته وقوت عياله في نهاية كل شهر وعن قوته في الحق وصبره على الناس ورحابة صدره على الجاهل. والشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في عنيزة وعن سيرته وحياته وزهده وطلابه وأثاره وتأثيره في الناس ومواقفه الصادقة وإخلاصه الجم ووفرة علمه