الدين وتأخذ بالناس إلى الهدي والرشد. بل حصلت بفقدها الفوضى والاضطراب واختلاف حبل الأمن وقطع الطريق وإخافة السالكين وظهر بسبب ذلك كله الانحراف في العقيدة والشريعة والسلوك والخروج على بعض مبادئ الإسلام وإهمال بعضها الآخر إلى غير ذلك مما سبق ذكره في العرض التاريخي للحياة الدينية والسياسية في صدر هذا البحث قبل هذه الدعوة المباركة. ولما قامت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في منتصف القرن الثاني عشر الهجري في نجد كان مولدها في هذه البيئة التي وصفناها. وعايش إمامها واقعها المؤسف وشاهد أحداثها المؤلمة وكانت نشأته في بيت علم مكنه من دراسة الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة والاطلاع على فقه الأئمة الأربعة وسير الصالحين وكتابات الإمامين الجليلين ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وراعه الفارق الكبير القائم بين مقتضى الأدلة الشرعية في مصادر التشريع الإسلامي التي أسلفنا ذكرها وبين الواقع المعاش في نجد وأجزاء كثيرة من شبه جزيرة العرب وكثير من بلاد الإسلامي في ظل الخلافة العثمانية في عهودها المتأخرة.
وقد وفقه الله سبحانه وتعالى لإدراك مراد الله في نصوص شرعه ومعرفة الواقع المعاش في حياة الناس في وقته وإجراء الموازنة الصحيحة بين ما أراده الله من عبادة وما يقوم الناس به من أعمال وممارسات مخالفة لمراد الله في نصوص شرعه في بعض جوانب الحياة.
كما وفقه سبحانه وتعالى للقيام بواجب الإصلاح والتجديد والاضطلاع بهذه المهمة العظيمة والخطيرة في الوقت نفسه. فأخذ يعد نفسه بسلاح العلم والبصيرة في الدين على شيوخ بلاده وغيرهم ممن رحل إليهم في طلب العلم والاستزادة منه , فلما أحسن من نفسه القدوة على مباشرة الدعوة وتحمل مسئوليتها باشر الدعوة بتعليم الناس الخير وتنبيههم إلى مخاطر الانحراف في المجتمع وحدد مظاهره ومن ثم بدأ في الإصلاح والدعوة بالأهم فالمهم في خطوات متتابعة ومستمرة أملا في هداية الناس وقياما بواجب العلم وطلبا للثواب من الله، وقد تركزت هذه الدعوة وتمحورت حول أصول أساسية في الدين طرأ الانحراف عليها في حياة المسلمين فجاءت هذه الدعوة