يتوقف فيها نشر الدعوة الإسلامية عن طريق الصلات العلمية وبالقدوة الحسنة التي يتحلى بها المسلم في هذه الخلافة الإسلامية وما سبقها من تاريخ الأمة المسلمة من صفات عظيمة وأسوة حسنة وتعامل نظيف وأمانة في القول والعمل ومثالية في الأخذ والعطاءة وعالمية النظرة وإنسانية حضارية في كل نشاطات الحياة.
وفي صدر هذه الخلافة الإسلامية ازدهرت حواضر العالم الإسلامي بالعلوم والمعارف واستثمرت الجهود التي بذلت ووضعت بذورها الجيدة في عهد النبوة وما تلاها من عهدي الخلفاء الراشدين والدولة الأموية، فدونت العلوم وقامت المدارس الإسلامية وأصلت المذاهب الفقهية وترجمت كثير من العلوم عن الفرس والروم والهنود وأقيمت المكتبات العامة ووضعت لها المخصصات المالية الكفيلة بنموها وازدهارها واستمر الأمر على ذلك ما شاء الله في أزمان متطاولة.
ولما تطاول الزمن وبعد الناس عن عهد النبوة والخلافة الراشدة ودول الفتوحات الإسلامية وكثرت النعم وتيسرت أسباب العيش الناعم وتحقق من الأمن والسلام ما لم تشهد البشرية له مثيلا في ظل أي نظام قبل الإسلام ونشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية، ودخل الترف إلى دور الخلافة وانشغل بعض قادة المسلمين وذوي الرأي والسلطان فيهم بالمتع الزائلة وشهوات النفس ووكلت بعض الأمور المهمة في الخلافة الإسلامية إلى غير الأكفاء أو إلى الكفاءات المترفة المشغولة بملذاتها، وتسربت بعض العناصر الشعوبية المعادية للإسلام وقيادته العربية المسلمة إلى بعض المراكز القيادية المهمة التي مكنتها من إفساح المجال للأفكار التي لا تتفق مع الإسلام ومبادئه العامة وأصوله الثابتة وظل التحول في الحياة السياسية والاجتماعية والدينية في تدهور مستمر تدريجيا حتى وصل الأمر بها في عهودها المتأخرة إلى أن صار للخليفة العباسي الاسم فقط والقيادة العملية في يد غير هـ ممن ليس لهم اهتمام كبير بالدين في تصرفاتهم ولا في حياتهم الدينية، مما جعل الخلافة الإسلامية في المشرق تفقد قوتها ويقل احترامها في صفوف المسلمين مما سهل الخروج عليها وقيام الثورات الداخلية ضدها، حتى تعددت الدول وتكاثرت الممالك وظلت الأمة المسلمة تبتعد شيئا فشيئا عن دينها في المجال السياسي والاجتماعي وظلت تفقد من قوتها واحترامها