مختلف الاحتمالات بما يناسبها، وأن الجهاد عنصر أصيل١ في هذا المنهج الذي تخطى بسموه وشموله وتوازنه كل الحدود والحواجز التي تنتهي إليه أو تتهاوى عنده المبادئ الأخرى، سواء كانت هذه الحدود لغوية أو سياسية أو عرقية أو جغرافية أو نحوها، وهو بذلك يفتح أبواب رحمة الله عز وجل لأهل الأرض أجمعين، فلا يعقل بعد هذا الفيض الغامر من الخير أن نسمي الجهاد فيه بأنه حرب دفاعية أو هجومية، وإنما الصحيح أن الجهاد في الإسلام عنصر من عناصر المنهج الذي يواجه مختلف الاحتمالات والظروف، وما هو إلا إزالة للحوائل والعقبات التي تعترض مسار دعوة الله الواحد القهار، وأن التحرك لبدء الآخرين بالدعوة إلى الإسلام هو من خصائص هذا الدين، لأنه من السذاجة بمكان أن يتصور الإنسان بقوة عازمة على إخراج البرية من الظلمات إلى النور، ثم يقف أما عقبات الأعداء ليجاهد باللسان والبيان فحسب، وهذا لم يقل به أحد من سلف هذه الأمة الكريمة على ربها سبحانه وتعالى، لأن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية توجب على المسلمين الجهاد كعنصر من عناصر منهج المواجهة لإخراج الناس من ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن عبادة العباد إلى عبادة الله تعالى، وإبلاغ الناس مصلحتهم الحقيقية في العاجلة والآجلة، وشعار المسلمين في ذلك قول الله عز وجل:
١ لقد تجنب الإسلام لفظة الحرب لأنها كانت ولا تزال تطلق على القتال الذي يشب لهيبه وتستعر ناره بين الراجل والأحزاب والشعوب لمآرب شخصية وأغراض ذاتية، والغايات التي ترمي إليها لا تعدو أن تكون كذلك، وبما أن القتال المشروع في الإسلام ليس من قبل هذه الحروب، لم يكن بد من ترك هذه اللفظة (الحرب) البتة، واستعمال لفظة "الجهاد" لأداء مهمته وتبين تفاصيل دعوته، لأنها أبلغ منها تأثيراً وأكثر منها -يعني لفظة الحرب- إحاطة بالمعنى المقصود، والجهاد المستطاع للوصل إلى الغاية العظمي، وهي أن تكون الأرض ومن عليها لله وحده لا شريك له، والكلمة العليا فيها لله عز وجل، والدين كله فيها لقيوم السموات والأرض، سبحانه وتعالى.