للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على توطيد إمارته، ولكن الإمام فيصل بن تركي لم يمهله كثيراً، ففر من مصر ثانية، أو ربما سهلت له مصر في عهد واليها عباس باشا الأول طريق الفرار لمناوأة خصمها الذي تزعم الثورة ضد عاملها الأمير خالد، لعجزها في هذه المرة عن مقاتلة نجد، وتوطيد حكمها فيها١.

وما أن جاء إلى نجد البشير بمقدم إمامها المحبوب فيصل حتى التفت حوله القبائل، فزحف بها إلى عنيزة، فاستولى عليها بعد أن أخلاها ابن ثنيان، ولجأ إلى الرياض، فتعقبه بها وحاصره بقصره فاستسلم له فعفا عنه، ولكنه مات بعد مرض ألزمه الفراش أياماً، وظل الإمام فيصل يعمل على استرجاع ما أخذ منه من البلاد حتى خضعت له الإحساء والقطيف، والعارض والقصيم وجبل شمر، ووادي الدواسر وعسير وجانب من أرض الحجاز، ودان له بالطاعة أمراء البحرين ومسقط وسواحل عمان وعنيزة، ولم يكن يهمه كل ذلك إلا أن يعمل على محاربة كل ما يؤيد إلى الشك والضلال مما يسبب غضب الله تعالى٢، وقد أرك أن الزمن يتقدم بالإسلام وأمته إلى الأمام بين مد وجزر، يذهب الجزر كالزبد جفاء ويبقى من المد ما يمكث في الأرض وينفع الناس، فواجه الواقع بحكمة ماضية وعزم أبي مقدام حر، وهو يعلم أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وأن أقدار الله تبارك وتعالى مرتبطة بنواصيه، فلا بد من عظيم العمل لتحقيق عظيم الأمل، وقد نفح الإسلام العظيم دعوته من خصائصه الفذة بمزايا البقاء والنماء والارقتاء، ولذا كانت فعاليتها مستمرة الزمان ممدودة المكان، وثمارها أكبر من أن يجحدها جاحد


١ راجع تاريخ نجد الحديث –أمين الريحاني.
٢ راجع كتاب الإمام العادل –تأليف عبد الحميد الخطيب ص ١١-١٤.

<<  <   >  >>