بالجديد الذي لا يأمنون عواقبه، لأن أي خلخلة للاستقرار القائم ستجلب معها زعامات جديدة تلائم الواقع الجديد، وبين هاتين الطائفتين من المتعصبين للتأييد والمعارضة ينشأ التطرف الذي يسيء إلى الدعوة في تطبيقها وتفسيرها من ناحية، وفي سوء فهمها والادعاء عليها بما ليس فيها من ناحية أخرى، وسمة أخرى من سمات الدعوات الكبرى لازمت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب وهي تتمثل في تعرضها على أيدي أعدائها ومعارضيها للمحن، وثبات صاحبها على المكاره، ذلك لأن اتساع نفوذ الدعوة على مر الأيام يدفع أعداءها إلى الشعور بالخطر على أنفسهم وعلى مصالحهم فيبذلون كل ما يسعهم من جهد للقضاء على الدعوة وعلى صاحبها، وقد يذهبون في ذلك إلى حد تدبير المكائد والتخلص من صاحب الدعوة نفسه بقتله، ثم إن هذا الأذى والاضطهاد هو الاختبار الأكبر الذي يمتحن به صدق الدعوة وإخلاص صاحبها فإذا ثبت على دعوته وصبر على ما يلقى من اضطهاد زاد صبره صلابة وثباتا على مر الأيام، لأنه يزكي ويمكن لإيمانه، ويقوي توكله على الله عز وجل، ولكي توزن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب بميزان عادل يجب أن توضع في الاعتبار حالة المجتمع الذي نشأت فيه الدعوة قبل ظهورها لتقارن بحالتها بعد انتشارها، كما ينبغي أن توضع في الاعتبار ردود الأفعال التي لا بد أن تتسرب إليها وتشوبها في مقاومتها للوضع السائد الذي تعارضعه وتندد به، لأنها في دعوتها إلى نبذ الأوضاع القائمة والإنحرافات السائدة تشنع بها وتقدمها في أبغض الصور لكي تصرف الناس عنها وتبين لهم شناعة ما هم عليه من فساد الحال، ثم إن ذلك لا يزيد خصومها إلا لدداً في خصومتهم فيبالغون في التشنيع بها، ونشر قالة السوء عنها، وتصيد الأخطاء التي ربما وقعت من أتباعها، وحمل أفعالهم وتأويلها على أسوأ محمل، وربما فعلوا في ذلك أن يدعوا عليهم ما ليس