للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن تعرف صاحب النقب. قال: نعم، قال: أنا أدلك عليه إذا أعطيتني العهد على أن لا تسألني عن اسمي، فقال القائد محمد بن مسلمة: لك عهد الله على أن لا أسألك عن اسمك، قال: أنا هو، وانطلق خارجاً من خيمة القائد ينتظر حسن الثواب من الله تعالى يوم يقوم الحساب، ولم يتطلع إلى الحظ العاجل وإذاعة أخباره واسمه، وهذا الصنف الكريم يجلي لنا العبر، ويعطينا الموعظة الحسنة، لنعتبر بأن الله تعالى وحده هو الذي يجزي على العمل، وقد وضح لنا هذا المعنى عندما أقبل وباء المرتدين المجرمين بقيادة مسيلمة الكذاب، وخرج جيش الإسلام ليرد ذلك الطوفان، وكان فيه البراء بن مالك الأنصاري١ رضي الله عنه ولم تكن المعركة يومها سهلة ولا ميسرة، واشتد القتال بين المؤمنين والباغين، وهناك رفع البراء بن مالك صوته ينادي في المجاهدين: "يا أهل المدينة، لا مدينة لكم بعد اليوم، إنما هو الله والجنة"، أي لا تذكروا في هذا الموطن أنفسكم ولا أهليكم ولا بلدكم، بل اجعلوا كل همكم أن تنصروا الله ربكم جل جلاله، وأن تأخذوا الطريق إلى جنته عن طريق الجهاد في سبيل دينه ودعوته. فالبطولة الإسلامية لم تكن الإعلان والشهرة، وإنما هي التماس رضا الله عز وجل، وتحرير العمل لوجه الله تعالى وإخلاصه للحق وحده.

يذكر لنا التاريخ هذه البطولة التي صنعها الإسلام إخلاصاً لله عز وجل وهي: أن رومانوس أمبراطور الدولة البيزنطية، أقبل بجيش يضم مائتي ألف مقاتل، وقيل ستمائة ألف مقاتل، يقوده بنفسه، ومعه البطارقة، يريد أن يقضي على


١ هو البراء بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر الأنصاري النجاري المدني، البطل الكرار صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخو خادم النبي صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك رضي الله عنه.

<<  <   >  >>