للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا وعيد شديد لمن أحب أن يقف الناس أمامه واضعي أيمانهم على شمائلهم في غاية الأدب والتواضع، كتماثيل لا تتحرك ولا تتكلم، ولا تنظر يمينا ولا شمالا، وقد أوعده الرسول صلى اللَّه عليه وسلم بجهنم، فإنه أحب أن يعظمه الناس بما يعظمون به اللَّه إذا وقفوا للصلاة واضعي يمناهم على يسراهم في أدب وخشوع، فكأنه ادعى الألوهية وتشبه بالله، وقد ظهر من هذا الحديث أن المثول أمام عظيم أو كبير في أدب وتواضع لا يقصد به إلا التعظيم من الأمور التي خصصها اللَّه تعالى لتعظيمه.

أتعبدون ما تنحتون؟

أخرج الترمذي عن ثوبان قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان» .

ويفهم من هذا الحديث أن الشرك نوعان: النوع الأول: أن يجعل لأحد تمثال ثم يعبد، ويقال له في اللغة العربية " صنم " والنوع الثاني: أن يخصص بيت أو شجرة، أو حجر، أو خشب، أو قرطاس، وينسب إلى أحد ثم يعبد، ويجل ويعظم، ويقال له في العربية " وثن " (١) ، ويدخل فيه القبر، ومكان جلس فيه أحد


(١) لعل المؤلف رحمه اللَّه بنى كلامه هذا على ما نقل عن بعض أئمة اللغة، أن الصنم ما كان على صورة خلقة البشر، والوثن ما كان على غيرها، نقله الزبيدي في تاج العروس عن شرح الدلائل (ج ٨، ص ٣٧١) ، ويؤيده ما قاله ابن منظور في لسان العرب (ج ١٥، ص ٢٤١) نقلا عن عرفة، قال: ما اتخذوه من آلهة فكان غير صورة فهو وثن، فإذا كان له صورة فهو صنم، وتفرقت أقوال أئمة اللغة في تفسيرهما، والفرق بينهما، فمنهم من قال بالعكس، ومنهم من لم يفرق بينهما وأطلقهما على المعنيين، ويظهر من تتبع الآيات والأحاديث، وكلام العرب ترجيح القول الأول، وهو الذي اعتمد عليه المؤلف، والله أعلم.

<<  <   >  >>