ففعل الفتى ذلك فلما كان اليوم الثالث سمع من القبر صوتا اقشعر له جلده وتغير له لونه فرجع منه محموما إلى أهله.
فلما كان من الليل أتاه أبوه في منامه فقال له: أي بني! أنت عندنا عن قليل والأمر بآخره والموت أقرب من ذلك فاستعد لسفرك وتأهب لرحيلك وحول جهازك من المنزل الذي أنت عنه ظاعن إلى المنزل الذي أنت فيه مقيم ولا تغتر بما اغتر به المبطلون قبلك من طول آمالهم فقصروا عن أمر معادهم فندموا عند الموت أشد الندامة وأسفوا على تضييع العمر أشد الأسف فلا الندامة عند الموت تنفعهم ولا الأسف على التقصير أنقذهم من شر ما وافى به المغبونون مليكهم يوم القيامة أي بني فبادر ثم بادر ثم بادر.
قال عبيد الله بن صدقة: قال الشيخ الذي حدثني بهذا الحديث: فدخلت على هذا الفتى صبيحة ليلته من هذه الرؤيا فقصها علينا وقال: ما أرى الأمر إلا كما قال: أبي ولا أرى الموت إلا قد أظلني قال: فجعل يفرق ماله ويقضي ما عليه من الدين ويستحل خلطاءه ومعامليه ويحللهم ويسلم عليهم ويودعهم ويودعونه كهيئة رجل قد أنذر بأمر فهو يتوقعه.
وكان يقول: قال أبي: فبادر ثم بادر ثم بادر فهذه ثلاث فهي ثلاث ساعات قد مضت فليست بها أو ثلاثة أيام وأنى لي بها أو ثلاثة أشهر وما أراني أدركها أو ثلاث سنين فهو أكثر من ذلك وما أحب أن يكون ذلك كذلك.
قال: فلم يزل يعطي ويقسم ويتصدق ثلاثة أيام حتى إذا كان في آخر اليوم الثالث من صبيحة هذه الرؤيا دعا أهله وولده فودعهم وسلم عليهم ثم استقبل القبلة فمدد نفسه وأغمض عينيه وتشهد شهادة الحق ثم مات رحمه الله تعالى.
قال: فمكث الناس حينا ينتابون قبره من الأمصار فيصلون عليه.