باللآليء ومعه في القبة ندماؤه وإخوانه والمجامر منصوبة لا ترفع على البخور وقد وقف على رأسه الخدم بأيديهم المراوح والمذاب والقينات بحذائه في مجلس خارج من القبة يراهن.
فإذا نظر عن يمينه رأى نديما قد اصطفاه وأنس بمادثته وإن نظر عن يساره رأى أخا وصفيا قد واده واجتباه وإن رفع طرفه نظر إلى خدم قيام قد اختارهم وإن رمى بطرفه إلى حواشيه رأى مطربيه وقيانه كلهم يفدونه أسماعهم مصغية إليه وأعينهم قبله لا يشتغلون بغيره فإن تكلم سكتوا وإن قام قاموا إذا اشتهى سماع القيان نظر نحو الستارة وإن أراد سكوتهم أومأ بيده إلى الستارة فأمسكوا قد عرفوا ذلك منه.
هذا دأبه إلى أن يذهب الليل ويذهب عقله فيخرج الندماء ويخلو مع الوصفاء.
فإذا أصبح اشتغل بالنظر إلى اللعابين بين يديه بالشطرنج والنرد لا يذكر بين يديه موت ولا سقم ولا مرض ولا شيء فيه ذكر الغم إلا ذكر الفرح والسرور والنوادر التي يضحك منها.
ويطرف كل يوم بأنواع الطيب والشمامات ما يكون في أوانه حتى مضت له سبع وعشرون سنة.
فبينا هو ذات يوم في قبته وقد مضى بعض الليل إذ سمع نغمة من حلق ندي شجي خلاف ما يسمع من مطربيه فأخذت بمجامع بقلبه ولها عما كان فيه.
فأومأ إليهم أن أمسكوا وأخرج رأسه من بعض تلك الشباكات المشرعة إلى الجادة يتسمع الذي وقع بقلبه فإذا النغمة ربما سمعها وربما خفيت فصاح بغلمانه: اطلبوا صاحب هذا الصوت! وكان قد عمل فيه الشراب.
فخرج الغلمان يطوفون فإذا هم بشاب نحيل الجسم دقيق العنق مصفر اللون ذابل الشفتين شعث الرأس قد لصق بطنه بظهره عليه طمران ما يتوارى بغيرهما حافي القدمين قائم في بعض المساجد يناجي ربه تعالى.
فأخرجوه من المسجد وانطلقوا به لا يكلمونه حتى أوقفوه بين يديه.
فنظر إليه فقال: من هذا؟ قالوا: صاحب النغمة التي سمعت قال: أين أصبتموه؟ قالوا: في المسجد قائما يصلي ويقرأ فقال: أيها الشاب! ما كنت تقرأ؟ قال: كلام الله قال: فأسمعني بتلك النغمة فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ}[المطففين: ١٣] إلى قوله: {يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ}