غدا لا يقطعها إلا الورعون عن محارم الله تعالى وقناطر لا يجوزها إلا المخفون من المظالم يتردى منها في نار {أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاًْ}[الكهف: ٢٩] فكن على عدة وأعد الجواب فإنك قادم لا محالة وعلى من القدوم؟ على أحكم الحاكمين والعدل الذي لا يجوز وديان يوم الدين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وهو منصت يسمع ثم أطرق شبه المفكر فتوهمت أنه لا يعلم ما أقول فقمت من عنده وخرجت.
فلما أصبحت تصرفت في حوائجي فلما دخل وقت الظهر وأنا في الطواف وإذا الناس يتعادون نحو باب الصفا قلت: ما الخبر؟ قالوا: جنازة غريب فخرجت وصليت عليه.
وضرب على قلبي فصرت من فوري إلى تلك الدار فسألت عنه فقالوا: آجرك الله! ألم تشهد جنازته؟ قلت إنا لله وإنا إليه راجعون سبحان الفعال لما يريد.
قالوا: ألست صاحبه البارحة؟ قلت نعم قالوا: إنك لما خرجت لم يزل يقول: فؤادي! فؤادي! ذنبي! ذنبي! إلى أن مضى عامة الليل وهو يبكي ثم سكن فلما أصبح أنبهناه للصلاة فإذا هو قد فارق الدنيا لم يشهد خروج روحه أحد ولم يغمض.
قلت لهم: عرفتموه؟ قالوا: لا كان غريبا من الحاج نزل عندنا ما رأينا ولا سمعنا بمثله ليله قائم يصلي وينوح على نفسه كأن ذنوب العباد هو المطالب بها لا يوقف على كسبه ومطعمه ولا يقبل بر أحد.
قلت: كم له منذ نزل عندكم؟ قالوا: حجتين قلت: معرفة الله خير من معرفتكم إياه.