وأنت مطلع على أفعالي سيدي! إلى من أهرب إلا إليك وإلى من التجئ إلا إليك؟ سيدي! إني لا أستأهل أن أسألك الجنة بل أسألك بجودك وكرمك وتفضلك أن تغفر لي وترحمني فإنك أهل التقوى وأهل المغفرة.
قال محمد بن السماك: فبينا أنا ذات ليلة في الطواف إذ سمعت نغمته ونوحه وبكاءه فحركني وأقلقني فقطعت الطواف ودخلت الحجر وأنا لا أثبته فقلت له: حبيبي! من أنت؟ فإني أراك صغير السن قريح القلب مكروبا مغموما حزين النوح كثير الدموع فما القصة؟ فإني حامل الخطيئة مع شيبتي صاحب ذنوب.
فنظر إلي فعرفني فقال: ألست الواعظ لي وأنا منهمك في ضلالتي سكران في حيرتي لا أقبل عليك بوجهي؟ أنا موسى بن محمد بن سليمان بن علي الذي رأيتني بالبصرة.
فأصابتني من قوله دهشة فدنوت منه فعانقته وقبلت بين عينيه وقلت: بأبي أنت أبو القاسم! ما القصة؟.
فأخبرني قال: استر أمري فلا أحب - رحمك الله - أن أعرف وأعلم إن المولى المنعم المتفضل المحسن أنبهني من غفلتي وبصرني بعيب نفسي فتركت جميع ما كنت فيه مما رأيت وأقبلت إلى ربي فهل تراه يقبلني؟ فإني خائف أن يكون قد صرف وجهه عني.
قال: فأبكاني كلامه وقلت: حبيبي! أبشر فقد بلغني أنه ما من شيء أحب إلى الله تبارك وتعالى من شاب تائب.
فلما أن سمعها أراد أن يضبط نفسه من البكاء وخاف أن يجتمعوا عليه إذا سمعوا بكاءه.
فقام وهو يقول: أيها الطبيب! اتبعني فتبعته حتى خرج من باب الحناطين وهو يمشي ويلتفت إلي وقد أمسك على بطنه حتى انتهى إلى باب ثم دخل وأدخلني معه وأصعدني غرفة وقعد وقال: ما زلت متشوقا إلى لقائك لتداوي قرحي بمرهم كلامك.
فقلت له: يا أبا القاسم! قد أسعدك بلطفه إله العالمين فأنبهك من رقدة الغافلين فأشكره على توفيقه إياك وكن من الشاكرين وبما أنعم عليك فكن من الحامدين فإن الله تعالى معوضك برحمته أفضل مما تركت له من مخافته أبا القاسم! اجعل الموت نصب عينيك واعلم أن بين يديك عقبة عليها المسلك