للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أيضاً ما ورد في هذه السرية والسرايا قبلها من شن الغارة على الأعداء ومباغتتهم في ديارهم في غفلةٍ منهم، وتلك استراتيجيةٌ اتَّبعها الرسول صلى الله عليه وسلم مع نوعٍ معيَّنٍ من الأعداء، وهم الأعراب، حيث كان دائماً يترصَّد أخبارهم من خلال شبكة العيون المبثوثة في ديارهم، فكان دائماً يباغتهم في ديارهم قبل استكمال جاهزتهم واستعدادهم، فالأعراب أشداء إذا ما استعدوا جيداً للقتال، وانتظمت صفوفهم فيه، عندها تكون مقاومتهم أكبر، وقتالهم أشرس، كما أنَّهم يستطيعون وبسرعة فائقة حشد قوَّة إمدادات كبيرة يتمكنون بها من الإطباق على أعدائهم وحصرهم من كُلِّ الجهات، وقد عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك من خلال تجارب سابقة معهم في الرجيع، وبئر معونة، وسرية زيد بن حارثة - رضي الله تعالى عنه - الأولى إلى بني فزارة، وغيرها".

لذلك فإنَّ في شَنِّ الغارة عليهم ومباغتتهم قبل ذلك، ولو من قوة مهاجمة صغيرة تُفْقِدهم اتزانهم، وتبُثُّ الرُّعْبَ في قلوبهم١، وتثير الاضطراب والفوضى في صفوفهم، فيسهل حين ذاك السيطرة عليهم وهزيمتهم، كما حدث في هذه السرية". والله تعالى أعلم".

وفي الاستيلاء على أموال الأعراب التي كانت في غالبها من الماشية والإبل، إضعافٌ لهم اقتصادياً، لأنَّها تعدّ عصب حياتهم اليومية، لاعتمادهم عليها كثيراً، كما أنَّ في ذلك تحفيزاً للمسلمين وتشجيعاً لهم للغزو في سبيل الله لإصابة الغنائم الدنيوية العاجلة، إضافةً لما رُصِدَ لهم من الأجر العظيم عند الله، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أنَّ ذلك يعدّ دافعاً وهدفاً من أهداف الجهاد في سبيل الله بقدر ما هو ممارسة المسلمين لحقهم المشروع في الغنائم التي أحلَّها الله لهذه الأُمَّة واختصَّها به دون غيرها من الأُمم السابقة".

كما أنَّ ذلك يُعَدُّ تمشياً مع عادة قديمة متَّبعة لدى العرب في حروبهم في الجاهلية أبقى عليها الإسلام بعد تنظيمها وتقنينها وفق أنظمة الشريعة الإسلامية". والله تعالى أعلم".


١ المباغتة أقوى العوامل وأبعدها أثراً في الحرب، وتأيرها المعنوي عظيم جداً، وتأثيرها من الناحية النفسية يكمن فيما تحدثه من شللٍ متوقّعٍ في تفكير القائد الخصم.
(خطّاب: الرسول القائد صلى الله عليه وسلم ٤٥١) .

<<  <   >  >>