ولكن المقاييس المادية تُطَبَّق على الذين يعتمدون الوسائل المادية وحدها في حروبهم، أمَّا الذين يحاربون حرباً عقديَّة، جهاداً في سبيل الله، ودفاعاً عن عقيدتهم، وعن حُرِّية انتشارها، فلا تُطَبَّق عليهم المقاييس المادية وحدها، التي تُطَبَّق على غيرهم في حروبٍ استثماريَّةٍ أو توسُّعِيَّةٍ من أجل أمجادٍ شخصيةٍ، وأحقاد عنصرية أو طائفية، وعلى ذلك فلا تُطَبَّق هذه المقاييس المادية على أمثال عبد الله بن رواحة، لأنَّهم كانوا يخوضون حرباً عقديَّة لا دخل للمادَّة فيها من قريبٍ أو بعيد، وإلاَّ فماذا يمكن أن يُقال في غزوة بدر الكبرى الحاسمة، بالنسبة للمقاييس المادية وحدها، وكان تفوُّق المشركين على المسلمين بنسبة ثلاثة على واحد في الأشخاص، وبنسبة مائة على واحد بالخيل، والخيل أنجح سلاح في الحروب القديمة؟!
لقد حرَّض عبد الله بن رواحة المسلمين على القتال لأغراضٍ عقديَّة، فكان تحريضه خطأً بالنسبة للمقاييس المادية، ولكنه كان عين الصَّواب بالنسبة للجهاد والحرب العادلة التي كان يخوضها المسلمون حينذاك١.
ولكي نعرف مدى اندفاع عبد الله بن رواحة - رضي الله تعالى عنه - وحماسه لخوض حرب عقائدية إيمانية هدفها إعلاء كلمة الله عزَّ وجلَّ، وإعزاز دينه، وأقصى ما يتمناه فيها هو نيل شرف الشهادة، وبذل روحه رخيصة في سبيل الله عزَّ وجلَّ، يحدِّثُنا زيد ابن أرقم - رضي الله تعالى عنه - وكان من المشاركين في مؤتة - قال: