للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلمَّا قُتِلَ جعفر، أخذ عبد الله بن رواحة الراية، ثُمَّ تقدَّم بها، وهو على فرسه، وكان لمقتل صاحبيه الواحد تلو الآخر على ذلك النحو المؤثِّر، أثره في نفسه، فيذكر ابن إسحاق بسندٍ حسنٍ عن شاهد عيان من بني مرة، أنه:

[٥٥] "جعل يستنْزل نفسه ويتردَّد، بعض التردُّد، ويرتجز:

أقسمت يا نفس لتنزلنَّه ... لتنزلن أو لتكرهنَّه

إن أجلب الناس وشدُّوا الرنَّة١ ... مالي أراك تكرهين الجنَّة

قد طال ما كنت مطمئنة ... هل أنت إلاَّ نطفة في شنَّة٢

وقال أيضاً:

يا نفس إلاَّ تُقْتَلي تموتي ... هذا حمام الموت قد صليت

وما تمنيتِ فقد أُعْطِيتِ ... إنْ تفعلي فعلهما هُدِيتِ

يريد صاحبيه زيداً، وجعفراً، ثُمَّ نزل، فلمَّا نزل أتاه ابن عم له بعرق٣ من لحم، فقال: شُدَّ بهذا صُلبك، فإنَّك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت، فأخذه من يده، ثُمَّ انتهس منه نهسة٤، ثُمَّ سمع الحطمة٥ في


١ أجلب الناس: يُقَال: أجلب القوم إذا صاحوا واجتمعوا. والرَّنة: صوت فيه ترجيع شبه البكاء.
٢ النطفة: الماء القليل الصافي. والشَّنة: القربة القديمة.
٣ العرق: العظم الذي عليه بعض لحم.
٤ انتهس: أي أخذ منه بفمه يسيراً.
٥ الحطمة: الكسرة. والمراد بها هنا اشتداد القتال بين الطرفين.

<<  <   >  >>