للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٣٤] وتذكر بعض الروايات١ أنّ ذلك الأمر لم يرق لبعض المهاجرين باعتبار أسبقيتهم للإسلام، ورأوا أن عمرو رضي الله عنه استبدّ بالإمارة دون أبي عبيدة بن الجراّح رضي الله عنه، وأنّه دارت مناقشات حول هذا الموضوع، ولكنّ أبا عبيدة رضي الله عنه وبِمّا عُرِفَ عنه من الحكمة والكياسة، استطاع إقناعهم بالحُسنى بأنّه آثر الطاعة والامتثال لأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم خشية الفرقة والفتنة بين المسلمين٢.

فأطاع الجيش كله لعمرو بن العاص رضي الله عنه، فكان عمرو يُصَلِّي بالناس، وكان الجوّ شاتياً شديد البرودة في تلك المناطق، ويوماً مّا:

[٣٥] "أصابهم بردٌ شديدٌ، لَمْ يُرَ مثله، فخرج لصلاة الصّبْح فقال: والله لقد احتلمت البارحة، ولكنّي والله ما رأيت برداً مثل هذا، أهل مرَّ على وجوهكم مثله؟ قالوا: لا. فغسل مغابنه٣ وتوضّأ وضوءه للصلاة، ثُمَّ صلَّى بهم". وفي رواية: "فتيمَّم"٤


١ انظر رواية الشعبي عند أحمد (المسند ١/١٩٦، ورواية الزهري عند عبد الرّزّاق (المصنَّف ٥/٤٥٢-٤٥٤) .
٢ كان مِمَّا قال أبو عبيدة رضي الله عنه: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليّ وإليه أن لا تتعاصيا، فخشيت إن لم أُطعه أن أعصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدخل بيني وبينه الناس. وإني والله لأطيعنه حتى أقفل". (ابن عساكر: تاريخ: المجلدة الأولى (١/٤٠٥-٤٠٦) .
٣ المغابن: الأرفاغ. وهي بواطن الأفخاذ عند الحوالب. (الجوهري: الصحاح، وابن الأثير: النهاية، مادة: غبن) .
٤ أخرجه أبو داود (انظر: عون المعبود ١/٥٣٢) ، والحاكم (المستدرك ١/٢٨٥) وهذا لفظه.

<<  <   >  >>