للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال التوربشتي: "إنّما طعن من طعن في إمارتهما لأنّهما كانا من الموالي، وكانت العرب لا ترى تأمير الموالي وتستنكف عن اتباعهم كل الاستنكاف، فلمّا جاء الله عز وجل بالإسلام، ورفع قدْر مَن لم يكن عندهم قدر بالمسابقة، والهِجرة، والعلم، والتُّقى، عرف حقَّهم المحفوظون من أهل الدين، فأمّا المرتهنون بالعادة، والممتحنون بحب الرياسة من الأعراب ورؤساء القبائل، فلم يزل يختلج في صدورهم شيء من ذلك، لا سيّما أهل النفاق، فإنّهم كانوا يسارعون إلى الطعن وشدّة النكير عليه"١.

قلت: ربمّا كان ذلك قصد المنافقين في الطّعن على أُسامة بن زيد، وأبيه زيد من قبل - رضي الله عنهما، أمّا مَن طَعَنَ في تأميرهما من الصحابة - رضي الله عنهم، فلم يكن كذلك، لأنّ الإسلام قد أذهب عنهم عبية الجاهلية الأولى التي مكث النّبيّ صلى الله عليه وسلم دهراً وهو يربيهم على نفض أدرانها، والانسلاخ عن أوظارها، وإلقاء نفاياتها البغيضة بعيداً عنهم، وعن مجتمعهم الذي تأسَّس بالإسلام، وبُنِي بتعاليمه، فارتفعوا بها عالياً وعن تلك الشوائب السفلى، فما كان لهم بعد ذلك كله، وبخاصّة بعد نضوج ثمر الغرس الذي غرسه فيهم المصطفى صلى الله عليه وسلم قبل ثلاثةٍ وعشرين عاماً مضت، أن يتعلّقوا بشيءٍ من تلك الشوائب والأدران المنتنة من دعاوى الجاهلية، وفخرها بالأنساب.


١ نقله عنه كلّ من: البنا (الفتح الرباني ٢١/٢٢٢) ، والزرقاني: (إرشاد الساري ٦/١٢٧، وشرح المواهب ٣/١٠٩) .

<<  <   >  >>