للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَلَّفْتَهُ فَسَأَلْتُكَ عَنْهُ، فَأَخْبَرْتَنِي أَنَّهُ كِتَابُ "الْمُوَافَقَاتِ"، قَالَ: فَكُنْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ مَعْنَى هَذِهِ التَّسْمِيَةِ الظَّرِيفَةِ، فَتُخْبِرُنِي أَنَّكَ وَفَّقْتَ بِهِ بَيْنَ مَذْهَبَيِ ابْنِ الْقَاسِمِ١ وَأَبِي حَنِيفَةَ. فَقُلْتُ لَهُ: لَقَدْ أَصَبْتُمُ الْغَرَضَ بِسَهْمٍ مِنَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ مُصيب، وَأَخَذْتُمْ مِنَ الْمُبَشِّرَاتِ النَّبَوِيَّةِ بِجُزْءٍ صَالِحٍ وَنَصِيبٍ؛ فَإِنِّي شَرَعْتُ فِي تَأْلِيفِ هَذِهِ الْمَعَانِي، عَازِمًا عَلَى تَأْسِيسِ تِلْكَ الْمَبَانِي، فَإِنَّهَا الْأُصُولُ الْمُعْتَبَرَةُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، وَالْقَوَاعِدُ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهَا عِنْدَ الْقُدَمَاءِ. فَعَجِبَ الشَّيْخُ مِنْ غَرَابَةِ هَذَا الِاتِّفَاقِ، كَمَا عَجِبْتُ أَنَا مِنْ رُكُوبِ هَذِهِ الْمَفَازَةِ وَصُحْبَةِ هَذِهِ الرِّفَاقِ؛ لِيَكُونَ -أَيُّهَا الْخِلُّ الصَّفِّيُّ، وَالصَّدِيقُ الْوَفِيُّ- هَذَا الْكِتَابُ عَوْنًا لَكَ فِي سُلُوكِ الطَّرِيقِ، وَشَارِحًا لِمَعَانِي الْوِفَاقِ وَالتَّوْفِيقِ، لَا لِيَكُونَ عُمْدَتَكَ فِي كُلِّ تَحَقُّقٍ وَتَحْقِيقٍ، وَمَرْجِعَكَ فِي جَمِيعِ مَا يعنُّ لَكَ مِنْ تَصَوُّرٍ وَتَصْدِيقٍ؛ إِذْ قَدْ صَارَ عِلْمًا مِنْ جُمْلَةِ الْعُلُومِ، وَرَسْمًا كَسَائِرِ الرُّسُومِ، وَمَوْرِدًا لِاخْتِلَافِ الْعُقُولِ وَتَعَارُضِ الْفُهُومِ، لَا جَرَمَ أَنَّهُ قَرَّبَ عَلَيْكَ فِي الْمَسِيرِ، وَأَعْلَمَكَ كَيْفَ تَرْقَى فِي عُلُومِ الشَّرِيعَةِ وَإِلَى أَيْنَ تَسِيرُ، وَوَقَفَ بِكَ مِنَ الطَّرِيقِ السَّابِلَةِ عَلَى الظَّهر، وَخَطَبَ لَكَ عَرَائِسَ الْحِكْمَةِ ثُمَّ وَهَبَ لَكَ الْمَهْرَ.

فقدِّمْ قَدَم عَزْمِكَ؛ فَإِذَا أَنْتَ بِحَوْلِ اللَّهِ قَدْ وَصَلْتَ، وَأَقْبِلْ عَلَى مَا قِبَلك مِنْهُ؛ فَهَا أَنْتَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَدْ فُزْتَ بِمَا حَصَّلْتَ، وَإِيَّاكَ وَإِقْدَامَ الْجَبَانِ، وَالْوُقُوفَ مَعَ الظَّنِّ وَالْحُسْبَانِ٢، وَالْإِخْلَادَ إِلَى مُجَرَّدِ التَّصْمِيمِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، وَفَارِقْ وَهَد


١ خالف ابن القاسم الإمام مالكا في مسائل كثيرة؛ فوصفه بعض الفقهاء بأنه مجتهد مطلق، وذهب الأكثرون إلى أنه مجتهد في المذهب؛ أي: مقيد النظر بأصول مالك، ولهذا كان أهل الأندلس -وهم مقتدون بمذهب مالك- يشرطون في سجلات قرطبة أن لا يخرج القاضي عن قول ابن القاسم ما وجده، ولم يتركوا العمل بقوله إلا في ثماني عشرة مسألة. "خ".
٢ كذا في "ط" وحدها، وفي سائر النسخ: "مع الطرق الحسان"!! وفسرها "خ" بقوله: "لا يشغلك جمال الطريق عن السير إلى الغايات الشريفة، وكثير من القارئين من يلهيه حسن أساليب القول عن الغوص في أعماقه واقتناص حكمه البديعة ومراميه السامية".

<<  <  ج: ص:  >  >>