للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المقدمة الخامسة]

كُلُّ مَسْأَلَةٍ لَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا عَمَلٌ؛ فَالْخَوْضُ فِيهَا خَوْضٌ فِيمَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى اسْتِحْسَانِهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، وَأَعْنِي بِالْعَمَلِ: عَمَلَ الْقَلْبِ وَعَمَلَ الْجَوَارِحِ، مِنْ حَيْثُ هُوَ مَطْلُوبٌ١ شَرْعًا.

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ اسْتِقْرَاءُ الشَّرِيعَةِ؛ فَإِنَّا رَأَيْنَا الشَّارِعَ يُعرض عَمَّا لَا يُفِيدُ عَمَلًا مُكَلَّفًا بِهِ٢؛ فَفِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: ١٨٩] .


١ المباح ليس مطلوبا شرعا كما يأتي له في بحثه؛ فقاعدته هذه تقتضي أن البحث الذي ينبني عليه استنباط المباح ومعرفة أن العمل الفلاني مباح؛ لا يكون مستحسنا شرعا، وهو غير ظاهر؛ فتقييده بالحيثية فيه خفاء "د".
٢ أليس هذا من باب النظر في مصنوعات الله المؤدي إلى قوة الإيمان وزيادة البصيرة بكمالات الخالق -جل شأنه- امتثالا للآيات الطالبة من المكلفين النظر في السموات والأرض وما فيها؟ ولذا قالوا: إن الجواب بالآية عن السؤال من الأسلوب الحكيم، أي: إنه أليق بحال هذا السائل لمعنى عرفه -صلى الله عليه وسلم- فيه، وعليه؛ فلو أجابه -صلى الله عليه وسلم- بما يطلب؛ لكان فيه فائدة عملية قلبية، إلا أنه رأى الأليق بحاله توجيه فكره إلى ثمرة من ثمرات طريقة سير الهلال، بدل بيان نفس الطريقة التي لا يفهمها هو، وقد يعسر فهمها على كثير من العرب، ومثله لا يناسب منصب النبوة؛ فالعدول لحال السائل وأمثاله كما هو اللائق بمنصب النبوة، وإن كان الجواب المطابق للسؤال قد يؤدي إلى فائدة عملية قلبية؛ فتأمل "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>