للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا:

أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، لَمْ يَجُزْ١ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي أَمْرٍ عَادِيٍّ حَتَّى يَكُونَ الْقَصْدُ فِي تَصَرُّفِهِ مُجَرَّدَ امْتِثَالِ الْأَمْرِ، مِنْ غَيْرِ سَعْيٍ فِي حَظِّ نَفْسِهِ وَلَا قَصْدٍ فِي ذَلِكَ٢، بَلْ كَانَ يَمْتَنِعُ٣ لِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ حَتَّى يَسْتَحْضِرَ هَذِهِ النِّيَّةَ وَيَعْمَلَ عَلَى هَذَا الْقَصْدِ الْمُجَرَّدِ مِنَ الْحَظِّ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ بِاتِّفَاقٍ، وَلَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا نَهَى عَنْ قَصْدِ الْحُظُوظِ فِي الْأَعْمَالِ الْعَادِيَّةِ عَلَى حَالٍ، مَعَ قَصْدِ الشَّارِعِ لِلْإِخْلَاصِ فِي الْأَعْمَالِ وَعَدَمِ التَّشْرِيكِ فِيهَا، وَأَنْ لَا يلْحَظَ فِيهَا غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ لِلْحَظِّ فِي الْأَعْمَالِ إِذَا كَانَتْ عَادِيَّةً لَا يُنَافِي أَصْلَ الْأَعْمَالِ.

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَتَأَتَّى قَصْدُ الشَّارِعِ لِلْإِخْلَاصِ فِي الْأَعْمَالِ الْعَادِيَّةِ وَعَدَمُ التَّشْرِيكِ فِيهَا؟

قِيلَ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ مَعْمُولَةً عَلَى مُقْتَضَى الْمَشْرُوعِ، لَا يُقْصَدُ بِهَا عَمَلٌ جَاهِلِيٌّ، وَلَا اخْتِرَاعٌ شَيْطَانِيٌّ، وَلَا تَشَبُّهٌ بِغَيْرِ أَهْلِ الْمِلَّةِ، كَشُرْبِ الْمَاءِ أَوِ الْعَسَلِ فِي صُورَةِ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَأَكْلِ مَا صُنِعَ لِتَعْظِيمِ أَعْيَادِ الْيَهُودِ أَوِ النَّصَارَى وَإِنْ صَنَعَهُ الْمُسْلِمُ، أَوْ مَا ذُبِحَ عَلَى مُضَاهَاةِ الْجَاهِلِيَّةِ٤، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ نَوْعٌ مِنْ تَعْظِيمِ الشِّرْكِ.

كَمَا رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ أن إبراهيم بن هشام بن


١ لأنه يكون انغماسا في اتباع الهوى المنهي عنه؛ لأن صاحبة الحظ إذا كانت مسقطة لما صاحبها من قصد الامتثال كان ما ذكره لازما. "د".
٢ في الأصل و"ط": "لذلك".
٣ أي: وأكل الميتة للمضطر من باب الواجب المتعلق بأمر عادي وهو إقامة الحياة. "د".
٤ بعدها في "ط": "ودعاء الجاهلية".

<<  <  ج: ص:  >  >>