للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا النُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا النَّظَرِ، فَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى إِخْلَاصِ الْأَعْمَالِ لِلَّهِ، وَعَلَى أَنَّ مَا لَمْ يَخْلُصْ لِلَّهِ مِنْهَا فَلَا يَقْبَلُهُ اللَّهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين} [الْبَيِّنَةِ: ٥] .

وقوله: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الْكَهْفِ: ١١٠] .

وَفِي الْحَدِيثِ: "أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ" ١.

وَفِيهِ: "فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ" ٢، أَيْ: لَيْسَ لَهُ مِنَ التَّعَبُّدِ لِلَّهِ بِالْأَمْرِ بِالْهِجْرَةِ شَيْءٌ، فَإِنَّ كُلَّ أَمْرٍ وَنَهْيٍ عُقِلَ مَعْنَاهُ أَوْ لَمْ يُعْقَلْ مَعْنَاهُ، فَفِيهِ تَعَبُّدٌ حَسْبَمَا يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَالْعَامِلُ لحظِّه مُسْقِطٌ لِجَانِبِ التَّعَبُّدِ، وَلِذَلِكَ عَدَّ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ الْمُتَقَدِّمِينَ الْعَامِلَ لِلْأَجْرِ خَدِيمَ السُّوءِ وَعَبْدَ السُّوءِ، وَفِي الْآثَارِ مِنْ ذَلِكَ أَشْيَاءُ، وَقَدْ جَمَعَ الْأَمْرَ كُلَّهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِص} [الزُّمَرِ: ٣] .

وَأَيْضًا: فَقَدْ عَدَّ النَّاسُ مِنْ هَذَا مَا هُوَ قَادِحٌ فِي الْإِخْلَاصِ وَمُدْخَلٌ لِلشَّوْبِ فِي الْأَعْمَالِ، فَقَالَ الْغَزَالِيُّ٣: "كُلُّ حَظٍّ مِنْ حُظُوظِ الدُّنْيَا تَسْتَرِيحُ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَيَمِيلُ إِلَيْهِ القلب قل أم كَثُرَ إِذَا تَطَرَّقَ إِلَى الْعَمَلِ، تَكَدَّرَ بِهِ صفوه، وقل٤ به


١ أخرجه مسلم في "الصحيح" "كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله / رقم ٢٩٨٥".
٢ أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي ١/ ٩/ رقم ١"، ومسلم في "الصحيح" "كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" ٣/ ١٥١٥/ رقم ١٩٠٧" من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتقدم "١/ ٤٥٩".
٣ في "الإحياء" "٤/ ٣٨٠".
٤ كذا في جميع النسخ، وفي "الإحياء": "وزال".

<<  <  ج: ص:  >  >>