للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَمَلٌ خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَةِ الصَّلَاةِ، مَفْعُولٌ فِيهَا مَقْصُودٌ يُشْرِكُ قَصْدَ الصَّلَاةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَقْدَحُ فِي حَقِيقَةِ إِخْلَاصِهَا.

بَلْ لَوْ كَانَ شَأْنُ الْعِبَادَةِ أَنْ يَقْدَحَ فِي قَصْدِهَا قَصْدُ شيء آخر سواها، لَقَدَحَ فِيهَا مُشَارَكَةُ الْقَصْدِ إِلَى عِبَادَةٍ أُخْرَى، كَمَا إِذَا جَاءَ الْمَسْجِدَ قَاصِدًا لِلتَّنَفُّلِ فِيهِ، وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ، وَالْكَفِّ عَنْ إِذَايَةِ النَّاسِ، وَاسْتِغْفَارِ الْمَلَائِكَةِ لَهُ، فَإِنَّ كُلَّ قَصْدٍ مِنْهَا شَابَ غَيْرَهُ وَأَخْرَجَهُ عَنْ إِخْلَاصِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ بِاتِّفَاقٍ، بَلْ كُلُّ قَصْدٍ مِنْهَا صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَحْمُودٌ شَرْعًا، فَكَذَلِكَ مَا كَانَ غَيْرَ عِبَادَةٍ مِنَ الْمَأْذُونِ فِيهِ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ، فَحُظُوظُ النُّفُوسِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْإِنْسَانِ١ لَا يُمْنَعُ اجْتِمَاعُهَا مَعَ الْعِبَادَاتِ، إِلَّا مَا كَانَ بِوَضْعِهِ مُنَافِيًا لَهَا، كَالْحَدِيثِ٢، وَالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَالنَّوْمِ، وَالرِّيَاءِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، أَمَّا مَا لَا مُنَافَاةَ فِيهِ، فَكَيْفَ يَقْدَحُ الْقَصْدُ إِلَيْهِ فِي الْعِبَادَةِ؟ هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُنَازَعُ فِي أَنَّ إِفْرَادَ قَصْدِ الْعِبَادَةِ عَنْ قَصْدِ الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ أَوْلَى٣، وَلِذَلِكَ إِذَا غَلَبَ قَصْدُ الدُّنْيَا عَلَى قَصْدِ الْعِبَادَةِ كان


١ وهي التي ليس فيها مراءاة الآخرين، بل محصورة بينه وبين نفسه، كمن يقصد في صومه "الحمية"، وفي اغتساله "التبرد"، وفي حجه "التفسح".... وهذا مع وجود قصد التعبد أيضا، المهم أنه ليس في عمله مراعاة الآخرين، ولكن له مقاصد مصلحية غير مقاصد التعبد، وهذا ما فصلناه آنفا، وهو الذي قرره العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام" "١/ ١٥١"، والقرافي في "الفروق" "٣/ ٢٢".
٢ في الأصل و"ط" "كالحدث".
٣ ودليله ما أخرجه مسلم في "صحيحه" "١٣/ ٥١- شرح النووي" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم، ويبقى لهم الثلث، وإن لم يصيبوا غنيمة، تم لهم أجرهم".
وهذا دليل آخر على صحة الانفكاك؛ إذ فيه قصد الغنيمة مع الجهاد، فينقص بذلك الأجر ولم يبطل بالكلية، كما قال ابن رجب. انظر: "الدين الخالص" "٢/ ٢٨٣" لصديق حسن خان، و"مجموع فتاوى ابن تيمية" "٢٦/ ٢٩-٣٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>