للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالصِّيَامِ، وَالْحَجِّ، وَالْجِهَادِ، إِلَّا مَا نَحَا نَحْوَ قَوْلِهِ: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} ١ [الْبَقَرَةِ: ٢١٦] بَعْدَ قَوْلِهِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [الْبَقَرَةِ: ٢١٦] بِخِلَافِ مَا تَمِيلُ إِلَيْهِ النُّفُوسُ وَتُقْضَى بِهِ الْأَوْطَارُ، وَتُفْتَحُ بِهِ أَبْوَابُ التَّمَتُّعِ وَاللَّذَّاتِ النَّفْسَانِيَّةِ، وَتُسَدُّ بِهِ الْخَلَّاتُ الْوَاقِعَةُ مِنَ الْغِذَاءِ وَالدَّوَاءِ وَدَفْعِ الْمَضَرَّاتِ، وَأَضْرَابِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْإِتْيَانَ بِهَا فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ مُنَاسِبٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ اقْتَضَى هَذَا الْبِسَاطُ الْأَخْذَ بِهَا مِنْ جِهَةِ مَا وَقَعَتِ الْمِنَّةُ بِهَا، فَلَا يَكُونُ الْأَخْذُ عَلَى ذَلِكَ قَدْحًا فِي الْعُبُودِيَّةِ، وَلَا نَقْصًا مِنْ حَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ، لكنهم مطالبون على أثر ذلك بالشكر الذي امْتَنَّ بِهَا، وَذَلِكَ صَحِيحٌ.

فَإِنْ قِيلَ: فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الْأَخْذُ لَهَا بِقَصْدِ التَّجَرُّدِ عَنِ الْحَظِّ قَادِحًا أَيْضًا؛ إِذْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْمَفْهُومُ مِنَ الشَّارِعِ إِثْبَاتَ الْحَظِّ وَالِامْتِنَانَ بِهِ، وَهَذَا أَيْضًا لَا يُقَالُ بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، لِمَا تَقَدَّمَ.

فَالْجَوَابُ أَنَّ أَخْذَهَا مِنْ حَيْثُ تَلْبِيَةِ الْأَمْرِ أَوِ الْإِذْنِ قَدْ حَصَلَ فِي ضِمْنِهِ الْحَظُّ وَبِالتَّبَعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا نُدِبَ إِلَى التَّزَوُّجِ مَثَلًا فَأَخَذَهُ مِنْ حَيْثُ النَّدْبِ عَلَى وَجْهٍ لَوْ لَمْ يُنْدَبُ إِلَيْهِ لَتَرَكَهُ مَثَلًا، فَإِنَّ أَخْذَهُ مِنْ هُنَالِكَ قَدْ حَصَلَ لَهُ بِهِ أَخْذُهُ مِنْ حَيْثُ الْحَظِّ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ قَصَدَ بِالنِّكَاحِ التَّنَاسُلَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ آثَارًا حَسَنَةً مِنَ التَّمَتُّعِ بِاللَّذَّاتِ، وَالِانْغِمَارِ فِي نِعَمٍ يَتَنَعَّمُ بِهَا الْمُكَلَّفُ كَامِلَةً، فَالتَّمَتُّعُ بِالْحَلَالِ مِنْ جُمْلَةِ مَا قَصَدَهُ الشَّارِعُ، فَكَانَ قَصْدُ هَذَا القاصد٢ بريئا من الحظ، وقد انجر


١ أي: فهو امتنان عليهم بأن يجعل ما يكرهونه خيرا لهم، وأصل القتال من التكاليف المجردة عن الحظوظ، يعني: وهذا النوع قليل الوقوع أن يمتن في مقام مجرد التكليف، وقد يقال: إن هذا لا يحتاج إلى استثناء؛ لأن الامتنان بشيء آخر غير نفس المكلف به المجرد عن الحظ، فليس امتنانا بنفس القتال، بل بأنه سبحانه وتعالى تفضل علينا بأن يجعل من المكروه لنا أيا كان نوعه خيرا وفائدة عظمى حتى يصير ما نكرهه هو الخير الصرف. "د".
٢ في الأصل: "القاصدين".

<<  <  ج: ص:  >  >>