للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْحَاجِيَّاتِ، وَالتَّحْسِينِيَّاتِ١-، وَأَيْضًا لَوْ جَازَ تَعَلُّقُ الظَّنِّ بِأَصْلِ الشَّرِيعَةِ؛ لَجَازَ تَعَلُّقُ الشَّكِّ بِهَا، وَهِيَ لَا شَكَّ فِيهَا، وَلَجَازَ تَغْيِيرُهَا وَتَبْدِيلُهَا، وَذَلِكَ خِلَافَ مَا ضَمِنَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنْ حِفْظِهَا.

وَالثَّالِثُ:

أَنَّهُ لَوْ جَازَ جَعْلُ الظَّنِّيِّ٢ أَصْلًا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ؛ لَجَازَ جَعْلُهُ أَصْلًا فِي أُصُولِ الدِّينِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ، فَكَذَلِكَ هُنَا؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ أَصْلِ الشَّرِيعَةِ كَنِسْبَةِ أُصُولِ الدِّينِ، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ فِي الْمَرْتَبَةِ؛ فَقَدِ اسْتَوَتْ فِي أَنَّهَا كُلِّيَّاتٌ مُعْتَبَرَةٌ٣ فِي كُلِّ مِلَّةٍ، وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي حِفْظِ الدِّينِ مِنَ الضَّرُورِيَّاتِ.

وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا سَبِيلَ إِلَى إِثْبَاتِ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ بِالظَّنِّ؛ لِأَنَّهُ تَشْرِيعٌ، وَلَمْ نُتَعبد بِالظَّنِّ إِلَّا فِي الْفُرُوعِ٤، ولذلك لم يعد القاضي ابن الطيب


١ في "م": "الظن".
٢ استدلال خطابي؛ لأنه لا يتأتى اعتبار ذلك في جميع مسائل الأصول؛ حتى ما اتفقوا عليه منها، إنما المعتبر في كل ملة بعض القواعد العامة فقط، وكان يجدر به وهو في مقام الاستدلال العام على قطعية مسائل الأصول ومقدماتها ألا يذكر مثل هذا الدليل "خ".
٣ "أما الضروريات؛ فَمَعْنَاهَا: أَنَّهَا لَا بُدَّ مِنْهَا فِي قِيَامِ مَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، بِحَيْثُ إِذَا فُقِدَتْ لَمْ تَجْرِ مَصَالِحُ الدُّنْيَا عَلَى اسْتِقَامَةٍ بَلْ عَلَى فساد وتهارج، وهي خمس: حفظ الدين، والنفس, والنسل، والمال، والعقل.
وَأَمَّا الْحَاجِيَّاتُ؛ فَمَعْنَاهَا: أَنَّهَا مُفْتَقَرٌ إِلَيْهَا مِنْ حيث التوسعة ورفع التضيق؛ كالرخص، وإباحة الصيد، والتمتع بالطيبات مما هو حلال.
وأما التحسينيات؛ فمعناها: الأخذ بما يليق من محاسن العادات، وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات؛ كإزالة النجاسة، وستر العورة، وأخذ الزينة" "ماء".
٤ ذهبت طائفة إلى أن الأحكام الشرعية لا تثبت إلا بالطرق المفيدة للعلم، متمسكين بقوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} ، وقوله: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} ، وأجاب الجمهور عن الآيتين بأنهما من قبيل العام المخصوص بالأدلة القائمة على العمل بما يفيد الظن في الفروع؛ كأدلة العمل بخبر الآحاد، أو أن العمل بمثل خبر الآحاد حيث كان يستند إلى الدلائل الموجبة للعمل عند ظن الصدق كان وجوبه معلوما قطعا؛ فالظن واقع في طريق الحكم، وقد انضمت إليه الدلائل القاطعة على وجوب العمل بمقتضى هذا الظن؛ فلم يكن العامل بما يفيده خبر الآحاد مثلا متبعا لمجرد الظن، بل مستندا إلى ما يفيد العلم بأن ذلك الحكم المنتزع بطريق مظنون هو ما ناطه الشارع بعهدته "خ".

<<  <  ج: ص:  >  >>