للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمْ يكتفِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأبرَّه، فَكَانَ يُرْجِئُ الْأَمْرَ حَتَّى يَبْرُزَ أَثَرُ الْقَسَمِ، بَلْ أَلْجَأَ إِلَى الْقِصَاصِ الَّذِي فِيهِ أَشَدُّ مِحْنَةً حَتَّى عَفَا أَهْلُهُ، فَحِينَئِذٍ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ" ١، فَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الْقَسَمَ قَدْ أَبَرَّهُ اللَّهُ، وَلَكِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَتَّى ظَهَرَ لَهُ كُرْسِيٌّ٢ وهو العفو، والعفو منتهض في ظاهر الْحُكْمِ سَبَبًا لِإِسْقَاطِ الْقِصَاصِ.

وَالْخَامِسُ:

أَنَّ الْخَوَارِقَ فِي الْغَالِبِ إِذَا جَرَتْ أَحْكَامُهَا مُعَارِضَةً لِلضَّوَابِطِ الشَّرْعِيَّةِ، فَلَا تَنْتَهِضُ أَنْ تَثْبُتَ وَلَوْ كَضَرَائِرِ الشِّعْرِ٣، فَإِنَّ ذَلِكَ إِعْمَالٌ لِمُخَالَفَةِ الْمَشْرُوعَاتِ، وَنَقْضٌ لِمَصَالِحِهَا الْمَوْضُوعَاتِ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ عَالِمًا بِالْمُنَافِقِينَ وَأَعْيَانِهِمْ، وَكَانَ يَعْلَمُ مِنْهُمْ فَسَادًا فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَلَكِنْ كَانَ يَمْتَنِعُ مِنْ قَتْلِهِمْ لِمُعَارِضٍ هُوَ أَرْجَحُ فِي الِاعْتِبَارِ، فَقَالَ: "لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ" ٤، فَمِثْلُهُ يُلْغَى فِي جَرَيَانِ أَحْكَامِ الْخَوَارِقِ عَلَى أَصْحَابِهَا، حَتَّى٥ لَا يَعْتَقِدَ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ أَنَّ لِلصُّوفِيَّةِ شَرِيعَةً أُخْرَى، وَلِهَذَا وَقَعَ إِنْكَارُ الْفُقَهَاءِ لِفِعْلِ أَبِي يَعْزَى٦ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَالْقَوْلُ بِجَوَازِ انْفِرَادِ أَصْحَابِ الْخَوَارِقِ بِأَحْكَامٍ خَارِجَةٍ عَنْ أَحْكَامِ الْعَادَاتِ الْجُمْهُورِيَّةِ قول يقدح في القلوب


١ هو قطعة من الحديث السابق، أوله: "كتاب الله القصاص.....".
٢ هكذا الأصل، وهو غير ظاهر، والصواب أثره وهو..... إلخ، ويدل عليه سياق الكلام المتقدم. ا. هـ. مصححة. "خ".
٣ لعلها "كضرورة الشعر". "د".
٤ مضى تخريجه "ص٤٦٧".
٥ في الأصل ونسخة "ماء/ ص٢١٣": "إذ يعتقد".
٦ صوابه "أبو يزيد" يعني: النخشبي المتقدمة قصته في حديثه مع خادمه. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>