للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدِّينِ، وَاضْطِلَاعِهِمْ بِمَقَاصِدِ الشَّارِعِ وَفَهْمِ أَغْرَاضِهِ، وَقَدْ وُجِدَ هَذَا كَثِيرًا ولنكتفِ بِهَذَيْنَ الْمِثَالَيْنِ؛ فَهُمَا مِنْ أَشْهَرِ الْمَسَائِلِ فِي بَابِ الْحِيَلِ، وَيُقَاسُ عَلَى النَّظَرِ فِيهِمَا النَّظَرُ فِيمَا سِوَاهُمَا.

فَصْلٌ:

هَذَا الْقِسْمُ يَشْتَمِلُ عَلَى مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ جِدًّا، وَقَدْ مَرَّ مِنْهَا فِيمَا تَقَدَّمَ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَسَائِلِ الْمُقَرَّرَةِ كَثِيرٌ، وَسَيَأْتِي مِنْهُ مَسَائِلُ أُخَرُ تَفْرِيعًا أَيْضًا، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ خَاتِمَةٍ تَكُرُّ عَلَى كِتَابِ الْمَقَاصِدِ بِالْبَيَانِ، وَتُعَرِّفُ بِتَمَامِ الْمَقْصُودِ فِيهِ بِحَوْلِ اللَّهِ.

فَإِنَّ لِلْقَائِلِ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمَسَائِلِ فِي هَذَا الْكِتَابِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَعْرِفَةِ بِمَقْصُودِ الشَّارِعِ، فَبِمَاذَا يُعْرَفُ مَا هُوَ مَقْصُودٌ لَهُ مِمَّا ليس بمقصود له؟

والجواب أن النظر ههنا يَنْقَسِمُ بِحَسَبِ التَّقْسِيمِ الْعَقْلِيِّ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مَقْصِدَ الشَّارِعِ غَائِبٌ عَنَّا حَتَّى يَأْتِيَنَا مَا يُعَرِّفُنَا بِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا بِالتَّصْرِيحِ الْكَلَامِيِّ مُجَرَّدًا١ عَنْ تَتَبُّعِ الْمَعَانِي الَّتِي يَقْتَضِيهَا الِاسْتِقْرَاءُ وَلَا تَقْتَضِيهَا الْأَلْفَاظُ بِوَضْعِهَا اللُّغَوِيِّ؛ إِمَّا مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّكَالِيفَ لَمْ يُرَاعَ فِيهَا مَصَالِحُ الْعِبَادِ عَلَى حَالٍ، وَإِمَّا مَعَ الْقَوْلِ بِمَنْعِ وُجُوبِ مُرَاعَاةِ الْمَصَالِحِ، وَإِنْ وَقَعَتْ فِي بَعْضٍ٢؛ فَوَجْهُهَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ لَنَا على التمام، أو غير معروف


١ فالمعاني والحكم والأسرار والمصالح التي تؤخذ من استقراء مصادر الشريعة ما لم تدل عليها الألفاظ بوضعها اللغوي لا يعول عليها في هذا النظر، ولا تعتبر من مقاصد الشارع. "د".
٢ أي: فالمصالح غير مطردة ولا ملتزمة ولا معروف سرها؛ فالنسل مثلا في النكاح ما وجه كونه مقصودا للشارع؟ وهكذا، وقوله: "ويبالغ في ذلك حتى يمنع القول بالقياس" منع القول بالقياس مبني على هذا بناء ظاهرا، سواء أجرى على عدم مراعاة المصالح رأسا أو على أنها إن وقعت في البعض فسرها غير معروف؛ لأنه لا يتأتى القياس على كلا القولين، فقوله: "ويبالغ"؛ أي: يؤكد صحة ما يقول؛ فيلزم عليه عدم القول بالقياس، ويلتزم هذا اللازم. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>