للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّبَبِ، حَيْثُ تَرَكُوا الِاقْتِصَارَ مِنَ الْعِلْمِ عَلَى مَا يَعْنِي، وَخَرَجُوا إِلَى مَا لَا يَعْنِي؛ فَذَلِكَ فِتْنَةٌ عَلَى الْمُتَعَلِّمِ وَالْعَالِمِ، وَإِعْرَاضُ الشَّارِعِ -مَعَ حُصُولِ السُّؤَالِ- عَنِ الْجَوَابِ مِنْ أَوْضَحِ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ اتِّبَاعَ مِثْلِهِ مِنَ الْعِلْمِ فِتْنَةٌ أَوْ تَعْطِيلٌ لِلزَّمَانِ فِي غَيْرِ تَحْصِيلٍ.

- وَمِنْهَا: أَنَّ تَتَبُّعَ النَّظَرِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وتطلب عمله مِنْ شَأْنِ الْفَلَاسِفَةِ الَّذِينَ يَتَبَرَّأُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ١، وَلَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ إِلَّا بِتَعَلُّقِهِمْ بِمَا يُخالف السُّنَّةَ؛ فَاتِّبَاعُهُمْ فِي نِحْلَةٍ هَذَا شَأْنُهَا خَطَأٌ عَظِيمٌ، وَانْحِرَافٌ عَنِ الجادَّة.

وَوُجُوهُ عَدَمِ الِاسْتِحْسَانِ كَثِيرَةٌ.

فَإِنْ قِيلَ: الْعِلْمُ مَحْبُوبٌ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَمَطْلُوبٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقَدْ جَاءَ الطَّلَبُ فِيهِ عَلَى صِيَغِ الْعُمُومِ وَالْإِطْلَاقِ، فَتَنْتَظِمُ صِيَغه كُلَّ عِلْمٍ، وَمِنْ جُمْلَةِ الْعُلُومِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عَمَلٌ، وَمَا لَا يتعلَّق بِهِ عَمَلٌ؛ فَتَخْصِيصُ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ بِالِاسْتِحْسَانِ دُونَ الْآخَرِ تَحَكُّمٌ٢، وَأَيْضًا؛ فَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّ تَعَلُّمَ كُلِّ عِلْمٍ فَرْضُ كِفَايَةٍ، كَالسِّحْرِ وَالطَّلْسَمَاتِ، وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْعُلُومِ الْبَعِيدَةِ الْغَرَضِ عَنِ الْعَمَلِ٣، فَمَا ظَنُّكَ بِمَا قَرُبَ مِنْهُ؛ كَالْحِسَابِ، وَالْهَنْدَسَةِ، وَشِبْهِ ذَلِكَ؟ وَأَيْضًا؛


١ يتبرأ الإسلام من الفلسفة المتولدة من أوهام وظنون، لا يشهد لها حس أو تجربة صحيحة أو برهان، وأما ما يقوم منها على نظر صادق؛ فيأذن بتعلمه ولا سيما حيث يكون له مدخل في تنظيم شئون الحياة وترقية وسائل العمران. "خ".
٢ قلت: أي: قول بالتشهي والهوى.
٣ السحر والطلسمات من العلوم المحرمة، قال الذهبي في رسالته "مسائل في طلب العلم وأقسامه" "ص٢١٤-٢١٥- ضمن ست رسائل": "من العلوم المحرمة علم السحر والكيمياء والطيرة والسيمياء والشعبذة والتنجيم والرَّمل، وبعضها كفر صراح". وانظر, غير مأمور: كتابنا "كتب حذر العلماء منها" "المجموعة الأولى، ١/ ٩٩"؛ فقد أتينا على نقل كثير من النقول على حرمة تعلم السحر والطلسمات، وذكرنا فيه أشهر كتبه الرائجة، ليحذر منها المتقي ربه -عز وجل- والله الهادي.

<<  <  ج: ص:  >  >>