للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَيْضًا؛ فَإِنَّ الْعَمَلَ مُخَلِّصٌ لِلْأَدِلَّةِ مِنْ شَوَائِبِ الْمَحَامِلِ١ الْمُقَدَّرَةِ الْمُوهِنَةِ٢؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ مَتَى نَظَرَ فِي دَلِيلٍ عَلَى مَسْأَلَةٍ احْتَاجَ إِلَى الْبَحْثِ عَنْ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، لَا يَسْتَقِيمُ إِعْمَالُ الدَّلِيلِ دُونَهَا، وَالنَّظَرُ فِي أَعْمَالِ الْمُتَقَدِّمِينَ قَاطِعٌ لِاحْتِمَالَاتِهَا [حَتْمًا] ٣، وَمُعَيِّنٌ لِنَاسِخِهَا مِنْ مَنْسُوخِهَا، وَمُبَيِّنٌ لِمُجْمَلِهَا، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ؛ فَهُوَ عَوْنٌ فِي سُلُوكِ سَبِيلِ الِاجْتِهَادِ عَظِيمٌ، وَلِذَلِكَ اعْتَمَدَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ أَمْثِلَةٌ.

وَأَيْضًا؛ فَإِنَّ ظَوَاهِرَ الْأَدِلَّةِ إِذَا اعْتُبِرَتْ مِنْ غَيْرِ اعْتِمَادٍ عَلَى الْأَوَّلِينَ فِيهَا مُؤَدِّيَةٌ إِلَى التَّعَارُضِ وَالِاخْتِلَافِ وَهُوَ مُشَاهَدٌ مَعْنًى، وَلِأَنَّ تَعَارُضَ الظَّوَاهِرِ كَثِيرٌ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّ الشَّرِيعَةَ لَا اخْتِلَافَ فِيهَا.

وَلِذَلِكَ لَا تَجِدُ فِرْقَةً مِنَ الْفِرَقِ الضَّالَّةِ وَلَا أَحَدًا مِنَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْأَحْكَامِ لَا الْفُرُوعِيَّةِ وَلَا الْأُصُولِيَّةِ يَعْجِزُ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى مَذْهَبِهِ بِظَوَاهِرَ مِنَ الْأَدِلَّةِ، وَقَدْ مَرَّ مِنْ ذَلِكَ أَمْثِلَةٌ، بَلْ قَدْ شَاهَدْنَا وَرَأَيْنَا مِنَ الْفُسَّاقِ مَنْ يَسْتَدِلُّ عَلَى مَسَائِلِ الْفِسْقِ بِأَدِلَّةٍ يَنْسُبُهَا إِلَى الشَّرِيعَةِ الْمُنَزَّهَةِ، وَفِي كُتُبِ التَّوَارِيخِ وَالْأَخْبَارِ مِنْ ذَلِكَ أَطْرَافٌ مَا أَشْنَعَهَا٤ فِي الِافْتِئَاتِ عَلَى الشَّرِيعَةِ، وَانْظُرْ فِي مَسْأَلَةِ التَّدَاوِي مِنَ الْخُمَارِ فِي "دُرَّةِ الْغَوَّاصِ"٥ لِلْحَرِيرِيِّ وَأَشْبَاهِهَا، بَلْ قَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ


١ وهي الاحتمالات العشرة؛ من المجاز، والنسخ، والتعارض العقلي ... إلخ. "د".
٢ في الأصل: "المكدرة".
٣ سقط من "د".
٤ في "ف": "ما أشنعهما".
٥ جاء فيه "ص١٢٢-١٢٣ - ط ليدن" ما نصه: "حكي أن حامد بن العباس سأل علي بن عيسى في ديوان الوزارة عن دواء الخمار وقد علق به؛ فأعرض عن كلامه وقال: ما أنا وهذه المسألة؟ فخجل حامد منه، ثم التفت إلى قاضي القضاة أبي عمر، فسأله عن ذلك؛ فتنحنح القاضي لإصلاح صوته، ثم قال: قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، وقال النبي عليه السلام: "استعينوا في الصناعات بأهلها"، والأعشى هو المشهور بهذه =

<<  <  ج: ص:  >  >>