للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّلَامُ, الصَّلَاةَ وَالْحَجَّ بِفِعْلِهِ وَقَوْلِهِ عَلَى مَا يليق بالجمهور، وكذلك سائر الأمور، وهي عَادَةُ الْعَرَبِ، وَالشَّرِيعَةُ عَرَبِيَّةٌ، وَلِأَنَّ الْأُمَّةَ أُمِّيَّةٌ؛ فَلَا يَلِيقُ بِهَا مِنَ الْبَيَانِ إِلَّا الْأُمِّيُّ، وَقَدْ تَبَيَّنَ هَذَا فِي كِتَابِ الْمَقَاصِدِ مَشْرُوحًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.

فَإِذًا؛ التَّصَوُّرَاتُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي الشَّرْعِ إِنَّمَا هِيَ تَقْرِيبَاتٌ بِالْأَلْفَاظِ الْمُتَرَادِفَةِ وَمَا قَامَ مَقَامَهَا مِنَ الْبَيَانَاتِ الْقَرِيبَةِ.

وَأَمَّا الثَّانِي -وَهُوَ مَا لَا يَلِيقُ بِالْجُمْهُورِ- فَعَدَمُ مُنَاسَبَتِهِ لِلْجُمْهُورِ أَخْرَجَهُ عَنِ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ لَهُ؛ لِأَنَّ مَسَالِكَهُ صَعْبَةُ الْمَرَامِ، {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الْحَجِّ: ٧٨] ، كَمَا إِذَا طُلِبَ مَعْنَى الْمَلِكِ، فَأُحِيلَ بِهِ عَلَى مَعْنًى أَغْمَضَ مِنْهُ، وَهُوَ: مَاهِيَّةٌ مُجَرَّدَةٌ عَنِ الْمَادَّةِ أَصْلًا، أَوْ يُقَالُ: جوهرٌ بَسِيطٌ ذُو نِهَايَةٍ وَنُطْقٍ عَقْلِيٍّ، أَوْ طُلِبَ مَعْنَى الْإِنْسَانِ؛ فَقِيلَ: هُوَ الْحَيَوَانُ النَّاطِقُ الْمَائِتُ١، أَوْ يُقَالُ: مَا الْكَوْكَبُ؟ فَيُجَابُ بِأَنَّهُ جِسْمٌ بَسِيطٌ، كُرِيٌّ، مَكَانُهُ الطَّبِيعِيُّ نَفْسُ الْفَلَكِ، مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُنير، مُتَحَرِّكٌ عَلَى الْوَسَطِ، غَيْرُ مُشْتَمِلٍ عَلَيْهِ، أَوْ سُئِلَ عَنِ الْمَكَانِ؛ فَيُقَالُ: هُوَ السَّطْحُ الْبَاطِنُ مِنَ الْجِرْمِ الْحَاوِي، الْمُمَاسُّ لِلسَّطْحِ الظَّاهِرِ مِنَ الْجِسْمِ الْمَحْوِيِّ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تَعْرِفُهَا الْعَرَبُ، وَلَا يُوصَلُ إِلَيْهَا إِلَّا بَعْدَ قَطْعِ أَزْمِنَةٍ فِي طَلَبِ تِلْكَ الْمَعَانِي، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَقْصِدْ إِلَى هَذَا وَلَا كَلَّفَ بِهِ٢.

وَأَيْضًا؛ فَإِنَّ هَذَا تَسَوُّرٌ عَلَى طلب معرفة ماهيات الأشياء٣، وقد اعترف


١ بمعنى الميت؛ أي: الذي مآله الموت. انظر "لسان العرب" "م وت".
٢ تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية على فساد المنطق وعلم الكلام في المجلد التاسع من "مجموع الفتاوى"، وفي كتابه "الرد على المنطقيين"، وغير ذلك.
٣ معرفة كنه الأشياء ينفع في علوم الطبيعة، والعلوم المعروفة اليوم كالطب والهندسة والفلك، أما في "الإلهيات"؛ فهو علم لا ينفع.

<<  <  ج: ص:  >  >>