للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ دَخَلَ فِيهِ تِلْكَ الْأَنْوَاعُ كُلِّهَا الَّتِي مَدَارُ الْأَدِلَّةِ عَلَيْهَا؛ فَلَا تَشَابُهَ فِيهَا بِحَسَبِ الواقع إذ هي قد فسرت، فالعموم١ الْمُرَادِ بِهِ الْخُصُوصُ قَدْ نُصِبَ الدَّلِيلُ عَلَى تَخْصِيصِهِ، وَبُيِّنَ الْمُرَادُ بِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: "لَا عَامَّ إِلَّا مُخَصَّصٌ"٢؛ فَأَيُّ تَشَابُهٍ فِيهِ وَقَدْ حَصَلَ بَيَانُهُ؟ وَمِثْلُهُ سَائِرُ الْأَنْوَاعِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُتَشَابِهًا عِنْدَ عَدَمِ بَيَانِهِ، وَالْبُرْهَانُ قَائِمٌ عَلَى الْبَيَانِ وَأَنَّ الدِّينَ قَدْ كَمُلَ قَبْلَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِذَلِكَ لَا يَقْتَصِرُ ذُو الِاجْتِهَادِ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْعَامِّ مَثَلًا حَتَّى يَبْحَثَ عَنْ مُخَصِّصِهِ، وَعَلَى الْمُطْلَقِ حَتَّى يَنْظُرَ هَلْ له مقيد أم لا؛ إذ كَانَ حَقِيقَةُ الْبَيَانِ٣ مَعَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا؛ فَالْعَامُّ مَعَ خَاصِّهِ هُوَ الدَّلِيلُ، فَإِنْ فُقِدَ الْخَاصُّ؛ صَارَ الْعَامُّ مَعَ إِرَادَةِ٤ الْخُصُوصِ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَشَابِهِ، وَصَارَ ارْتِفَاعُهُ٥ زَيْغًا وَانْحِرَافًا عَنِ الصواب.


١ كذا في "ط"، وفي غيره: "بالعموم".
٢ في صحته عن ابن عباس نظر، ولم أظفر به مسندا عنه، وانظر ما علقناه على "ص٣٠٩".
٣ الأنسب حذف كلمة مع "ف".
٤ أي: وهذا غير موجود في الشريعة؛ فلا عام أريد به الخصوص وفقد فيه مخصصه، بل لا بد من قيام دليل الخصوص. "د".
٥ أي: إهمال المخصص وعدم الأخذ به مع وجوده في الشريعة؛ لأن الدليل الشرعي هو مجموع العام ومخصصه؛ فالأخذ بالعام وحده زيغ. "د".
قلت: قال المصنف في "الاعتصام" "١/ ٢٤٥-٢٤٦": "من اتباع المتشابهات الأخذ بالمطلقات قبل النظر في مقيداتها، وبالعمومات من غير تأمل: هل لها مخصصات أم لا؟ وكذلك العكس، بأن يكون النص مقيدا فيطلق، أو خاصا فيعم بالرأي من غير دليل سواه؛ فإن هذا المسلك رمي في عماية، واتباع للهوى في الدليل، وذلك أن المطلق المنصوص على تقييده مشتبه إذا لم يقيد، فإذا قيد؛ صار واضحا".

<<  <  ج: ص:  >  >>