للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَكَلَّمُوا فِيهِ بِغَيْرِ التَّسْلِيمِ لَهُ وَالْإِيمَانِ بِغَيْبَةِ الْمَحْجُوبِ أَمْرُهُ عَنِ الْعِبَادِ؛ كَمَسَائِلِ الِاسْتِوَاءِ، وَالنُّزُولِ، وَالضَّحِكِ، وَالْيَدِ، وَالْقَدَمِ، وَالْوَجْهِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.

وَحِينَ سَلَكَ الْأَوَّلُونَ فِيهَا مَسْلَكَ التَّسْلِيمِ وَتُرِكَ الْخَوْضُ فِي مَعَانِيهَا١؛ دَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْحُكْمُ عِنْدَهُمْ فِيهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَا يُحَاطُ بِهِ جَهْلٌ، وَلَا تَكْلِيفَ يَتَعَلَّقُ بِمَعْنَاهَا، وَمَا سِوَاهَا مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ لَيْسَ مِنْ أَجْلِ تَشَابُهِ أَدِلَّتِهَا؛ فَإِنَّ الْبُرْهَانَ قَدْ دَلَّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، بَلْ مِنْ جِهَةِ نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ فِي مَخَارِجِهَا٢ وَمَنَاطَاتِهَا، وَالْمُجْتَهِدُ لَا تَجِبِ إِصَابَتُهُ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ٣، بَلْ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ بِمِقْدَارِ وُسْعِهِ، وَالْأَنْظَارُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْقَرَائِحِ وَالتَّبَحُّرِ فِي عِلْمِ الشَّرِيعَةِ؛ فَلِكُلٍّ مَأْخَذٌ يَجْرِي عَلَيْهِ، وَطَرِيقٌ يَسْلُكُهُ بِحَسَبِهِ لَا بِحَسَبِ٤ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ فَخَرَجَ الْمَنْصُوصُ٥ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُتَشَابِهًا


١ بل أثبتوا معانيها، وتركوا الخوض في كيفياتها، وانظر لزاما: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "٣/ ٥٤-٥٩ و٦/ ٣٥ و١٦/ ٣٩٠-٤٠١"، و"الرسالة التدمرية" "٢/ ١٤٤ وما بعدها - مع التحفة المهدية"، و"اجتماع الجيوش الإسلامية" "ص٧٧"، وكتابنا "الردود والتعقبات" "ص٦٧ وما بعدها".
نعم، من أطلق التشابه عليها مريدا بذلك حقائقها وكيفياتها؛ فهذا قد يسوغ لأن ذلك لا يعلمه إلا الله، انظر: "منهج ودراسات لآيات الصفات" "ص٢٣، ٢٤" للشنقيطي، وتعليقنا المتقدم "٢/ ١٩٥، ٢٥٧"، والآتي على "ص٣٢٣-٣٢٦".
٢ أي: فيما يخرج عليه الدليل ويحمل عليه معناه؛ فعطف المناطات عليه مغاير ليصح قوله: "وإنما قصاراه ... إلخ"، ويكون قوله: "إلى التشابه الإضافي وهو الثاني" راجعا إلى قوله مخارجها، وقوله: "أو إلى التشابه الثالث" راجعا إلى قوله ومناطاتها. "د".
٣ أي: إن قلنا: إن لله حكما في نفس الأمر في كل مسألة، وهو رأي المخطئة، فإن قلنا: إن حكم الله في كل مسالة هو ما وصل إليه المجتهد بعد بذل وسعه؛ فيكون الأمر أظهر. "د".
٤ في الأصل: "لا في حسب".
٥ قد يفهم من التقييد أن هذا الجواب إنما يفيد في أدلة الكتاب والسنة وقد يلحق بهما الإجماع الناشئ عنهما، أما القياس وما ينشأ عنه من إجماع؛ فلا يخرج عن التشابه، وربما أيد ذلك قوله فيما سبق: "ثم إذا رجعنا إلى القياس أتى الوادي بطمه على القرى ... إلخ"، ولكنا لا نأخذ بهذا الفهم؛ لأنه مهما كانت إشكالات القياس لا تزيد عن أن تصير إلى التشابه الإضافي أو الضر الثالث كغيره من الأدلة الشرعية. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>