للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ؛ فَإِنَّ مِنَ الْخِلَافِ مَا هُوَ رَاجِعٌ فِي الْمَعْنَى إِلَى الْوِفَاقِ، وَهَذَا مَذْكُورٌ١ فِي كتاب الاجتهاد؛ فيسقط٢ بِسَبَبِهِ كَثِيرٌ مِمَّا يُعَدُّ فِي الْخِلَافِ، وَإِذَا رُوجِعَ مَا هُنَالِكَ تَبَيَّنَ مِنْهُ هَذَا الْمَقْصِدُ، وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّا لَيْسَ بِمُحْتَاجٍ إِلَيْهِ فِي عِلْمِ٣ الشَّرِيعَةِ قَدْ أُدْخِلَ٤ فِيهَا وَصَارَ مِنْ مَسَائِلِهَا، وَلَوْ فُرِضَ رَفْعُهُ مِنَ الْوُجُودِ رَأْسًا؛ لَمَا اخْتَلَّ مِمَّا يَحْتَاجُ إليه في الشريعة شيء بِدَلِيلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ فِي فَهْمِهَا -دَعِ الْعَرَبَ الْمَحْفُوظَةَ اللِّسَانِ كَالصَّحَابَةِ وَمَنْ يليهم من غيرهم-، وبل مَنْ وُلِدَ بَعْدَ مَا فَسَدَ اللِّسَانُ فَاحْتَاجَ إِلَى عِلْمِ كَلَامِ الْعَرَبِ؛ كَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حنيفة، ومن قبلهم أو بعدهم من أمثالهم٥؛ فَلَمَّا دَخَلَتْ تِلْكَ الْأُمُورُ وَقَعَ الْخِلَافُ بِسَبَبِهَا، وَلَوْ لَمْ تَدْخُلْ فِيهَا لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ الْخِلَافُ٦.

وَمَنِ اسْتَقْرَأَ مَسَائِلَ الشَّرِيعَةِ وَجَدَ مِنْهَا فِي كَلَامِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ تِلْكَ الطَّبَقَةِ كَثِيرًا، وَقَدْ مَرَّ فِي الْمُقَدِّمَاتِ تَنْبِيهٌ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَفِي كِتَابِ الِاجْتِهَادِ مَعْرِفَةُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُجْتَهِدُ مِنَ الْعُلُومِ الْمُعِينَةِ لَهُ عَلَى اجْتِهَادِهِ، فَإِذَا جَمَعْتَ هَذِهِ الْأَطْرَافَ؛ تَبَيَّنَ مِنْهَا أَنَّ الْمُتَشَابِهَ قَلِيلٌ، وَأَنَّ الْمُحْكَمَ هُوَ الْأَمْرُ العام الغالب.


١ سيأتي في المسألة الحادية عشرة وما بعدها مباحث ذاخرة بالفوائد في هذا الموضوع. "د".
٢ كذا في "ط"، وفي غيره: "فسقط".
٣ في "ط": "علوم".
٤ أي: قد أدخل في علم الشريعة -بعدما احتاج إليه هؤلاء المجتهدون وأمثالهم- شيء كثير وقع فيه خلاف، لا حاجة إلى علم الشريعة به، وقد حسب عليها وعد من الخلاف فيها، وأنت إذا رجعت لمسالك الخلاف الثمانية التي أشار إليها سابقا تحققت صحة ما يقول. "د".
٥ كذا في "ط"، وفي غيره: "وأمثالهم".
٦ قال الشافعي: "ما جهل الناس ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب وميلهم إلى لسان أرسطاطاليس"، نقله السيوطي في "صون المنطق" "ص١٥"، وقال "ص٢٢": "وقد وجدت السلف قبل الشافعي أشاروا إلى ما أشار إليه من أن سبب الابتداع الجهل بلسان العرب".
قلت: "من ذلك قول الحسن البصري في بعض المبتدعة: "أهلكتهم العجمة" كما في "التاريخ الكبير" "٥/ ٩٣" للبخاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>