للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِالْمُطْلَقِ عِنْدَ الْعَرَبِ لَيْسَ مَعْنَاهُ التَّكْلِيفَ بِأَمْرٍ ذِهْنِيٍّ، بَلْ مَعْنَاهُ التَّكْلِيفُ بِفَرْدٍ١ مِنَ الْأَفْرَادِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْخَارِجِ، أَوِ الَّتِي يَصِحُّ وُجُودُهَا فِي الْخَارِجِ مُطَابِقًا لِمَعْنَى اللَّفْظِ، [بِحَيْثُ] ٢ لَوْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ اللَّفْظُ صُدِّقَ وَهُوَ الِاسْمُ النَّكِرَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ، فَإِذَا قَالَ: "أَعْتِقْ رَقَبَةً"٣؛ فَالْمُرَادُ طَلَبُ إِيقَاعِ الْعِتْقِ بِفَرْدٍ مِمَّا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الرَّقَبَةِ فَإِنَّهَا٤ لَمْ تُضَعْ لَفَظُ الرَّقَبَةِ إِلَّا عَلَى فَرْدٍ مِنَ الْأَفْرَادِ غَيْرِ مُخْتَصٍّ بِوَاحِدٍ مِنَ الْجِنْسِ، هَذَا هُوَ الَّذِي تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ، وَالْحَاصِلُ أن الأمر به أمر بواحد مما٥ فِي الْخَارِجِ، وَلِلْمُكَلَّفِ اخْتِيَارُهُ فِي الْأَفْرَادِ الْخَارِجِيَّةِ.

وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ التَّفَاوُتَ الَّذِي الْتَفَتَ إِلَيْهِ الشَّارِعُ؛ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ إِلَيْهِ مَفْهُومًا مِنْ نَفْسِ الْأَمْرِ بِالْمُطْلِقِ أَوْ مِنْ دَلِيلٍ خَارِجِيٍّ، وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَدِلَّةِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقَعُ التَّفَاوُتُ فِي الْوُجُوبِ أَوِ النَّدْبِ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْأَمْرُ بِالْمُطْلَقِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّفَاوُتُ فِي أَمْرٍ آخَرَ خَارِجٍ عَنْ مقتضى مفهوم


١ وبهذا يكون قد قال في المسألة قولًا وسطًا؛ فالأمر عنده ليس متوجهًا إلى الماهية الذهنية لما ورد عليه من إشكالات، ولا إلى المقيد لما ورد عليه من إشكالات، بل إلى فرد من الأفراد الخارجية التي يصدق عليها معنى اللفظ، وللمكلف اختياره في أحدها، ويؤول هذا إلى أن المكلف به الماهية المتحققة في فرد ما مما تصدق عليه تلك الماهية؛ فلا ترد الإشكالات التي تقدمت في هذه المسألة وفي المسألة الرابعة من كتاب الأدلة، وقد عرفت فيما نقلناه عن الآمدي أن هذه المسألة كما هي من مسائل الأصول المدونة، وقد خالف المؤلِّف في البحث عن هذه المسألة طريقته في هذا المؤلَّف؛ ليفيد أن له اختيارًا خاصًا يخلص من الإشكالات فيها. "د".
٢ ما بين المعقوفتين زيادة من الأصل و"ط".
٣ أي معناه: وإلا؛ فلفظ الرقبة لا صدق له، وإذا كان الصادق هو معناه وصدقه حملة عليه حمل الكلي على جزئيه قطعًا؛ رجعنا إلى أن التكليف بماهية المطلق المتحققة في فرد ما من أفرادها، وهذا هو المعنى الذي جرى عليه سابقًا في المسألة الرابعة. "د".
٤ في "ط": "فكأنها".
٥ كذا في "ط"، وفي غيره: "كما"، وكتب "د": "لعل الأصل: مما في الخارج".

<<  <  ج: ص:  >  >>